✍️ بقلم الكاتب حاتم الحميدي
قد يبدو الاعتراف بالأخطاء والحقائق والمسؤولية خطوة بسيطة، ولكنه في الواقع أحد أصعب الأمور التي يمكن أن يواجهها الإنسان. وعلى الرغم من بساطة هذا المفهوم، إلا أنه يكشف عن تعقيدات عميقة في النفس البشرية وطبيعة المجتمعات التي نعيش فيها. السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: لماذا نجد صعوبة في الاعتراف؟ وما الذي يمنعنا من مواجهتنا الحقيقة بصدق؟في الحقيقه يعد الخوف من الفشل والنقصان من أبرز الأسباب التي تدفع الإنسان لرفض الاعتراف بأخطائه أو نقاط ضعفه. نحن نعيش في عالم يُقيّم الناس على أساس النجاح والكمال، وقد تعلمنا أن نكون مثاليين في عيون الآخرين. الاعتراف قد يبدو للبعض وكأنه علامة على الضعف أو النقص، مما يولد خوفًا من أن يتغير رأي الآخرين فينا أو أن نتعرض للنقد. لذلك، يلجأ البعض إلى الإنكار أو تجاهل الحقائق ليتجنبوا مواجهة هذا الشعور.وأيضاً الكبرياء وتقدير الذات
قد يدفع الإنسان إلى رفض الاعتراف بالأخطاء من أجل حماية صورته أمام نفسه والآخرين. التواضع للاعتراف بالخطأ أو المسؤولية قد يتعارض مع تصورنا الداخلي عن أنفسنا، فنحاول التمسك بالكبرياء، حتى لو كان ذلك على حساب الصدق. غالبًا ما نرى في مجتمعاتنا أن الأشخاص الذين يعترفون بأخطائهم يُعتبرون ضعفاء، في حين يُمدح الذين يتمسكون بمواقفهم حتى النهاية.
إن الاعتراف، خاصة في المواقف الحساسة، قد يترتب عليه عواقب حقيقية تؤثر في حياتنا. وقد يؤدي الاعتراف بخطأ في العمل إلى فقدان الوظيفة، وقد يؤثر الاعتراف بخطأ في علاقة عاطفية على الثقة والاستقرار في تلك العلاقة. لذلك، نتجنب الاعتراف لتجنب هذه العواقب، ونعتقد أن التستر على الحقيقة سيحمينا منها. ولكن في الواقع، هذا التهرب غالبًا ما يؤدي إلى تفاقم المشكلة ويجعل العواقب أكثر حدة على المدى الطويل.
في بعض الأحيان، لا يكون الأمر متعمدًا بالكامل، حيث يميل الإنسان إلى تبرير أخطائه وتفسير أفعاله بشكل يجعله يرى نفسه على صواب. هذه الظاهرة تُعرف بالتبرير الذاتي، إذ يميل الناس إلى إعادة تفسير تصرفاتهم بحيث تكون مبررة من وجهة نظرهم، مما يجعلهم غير قادرين على رؤية حقيقة أفعالهم بوضوح. هذا النمط يجعل الاعتراف صعبًا لأنه يتطلب أولاً القدرة على رؤية الحقيقة دون تزيين أو تبرير. وتلعب الثقافة التي نشأنا فيها دورًا كبيرًا في نظرتنا للاعتراف بالحقائق أو الأخطاء. ففي مجتمعات تُمجّد القوة والنجاح وتربط الاعتراف بالضعف، يصبح من الصعب جدًا على الأفراد أن يتبنوا الصراحة. عبارات مثل “الاعتراف بالحق فضيلة” قد تُقال، لكن قليلون هم من يطبقونها فعليًا بسبب الخوف من أن يُنظر إليهم بنظرة دونية، أو أن يُستغل اعترافهم في غير صالحهم.
وفي الختام لابد لنا من مواجهة أنفسنا وأن نعترف بأخطائنا لانها من علامات القوة، وليس الضعف.حيث إنها خطوة تُعبر عن الوعي العميق والثقة في النفس والرغبة في التحسن. فالاعتراف لا يُسقط من قيمتنا، بل يعززها، إذ يجعلنا نبدو أكثر صدقًا وإنسانية. قد تكون الخطوة الأولى هي الأصعب، ولكنها ضرورية لكي نعيش حياة أكثر توازنًا وصدقًا مع أنفسنا ومع من حولنا.
فالاعتراف ليس مجرد قول الحقيقة، بل هو حالة من الشجاعة التي تضعنا في مواجهة مع أنفسنا ومع الآخرين، وتجعلنا نعيد تقييم أخطائنا وقيمنا. هو خطوة نحو النضج وتقبل الذات، مما يقودنا إلى النمو الشخصي والعاطفي، ويمنحنا القدرة على بناء علاقات أعمق وأكثر صدقًا.