الرئيسية إقتصاد عبدالرحمن العامري يكتب :(التضخم في الاقتصاد: بين الفائدة والخطر)…!!؟!!

عبدالرحمن العامري يكتب :(التضخم في الاقتصاد: بين الفائدة والخطر)…!!؟!!

243
2

 

✍ بقلم الكاتب عبدالرحمن العامري

مقدمة:

في أحد المقاهي، جلس “فهد” مع صديقيه “حمد” و”سعد”. تناولوا فنجانًا من القهوة، تساءل فهد:
“هل لاحظتم أرتفاع سعر القهوة عن الشهر الماضي؟ من 10 إلى 12 ريالًا!”، فردّ حمد:
“هذا بسبب التضخم. الأسعار ترتفع لأن الطلب يزيد والعرض لا يتناسب مع ذلك.”
وأجاب سعد:
“لكن هل التضخم دائمًا سيئ؟ أعتقد أنه يمكن أن يكون مفيدًا في بعض الأحيان.”

توسع النقاش لفهم كيفية تأثير التضخم على حياتهم اليومية بشكل أعمق عن التضخم: ما هو؟ وكيف يؤثر على الاقتصاد؟ وهل يمكننا التعامل معه بطريقة فعّالة؟

1. ما هو التضخم..؟

التضخم هو الارتفاع المستمر في الأسعار، مما يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة وتأثيرها المباشر على القدرة الشرائية للأفراد. كما في المثال السابق، حيث أصبح فنجان القهوة الذي كان يُباع بـ 10 ريالات يُباع الآن بـ 12 ريالًا، مما يعكس كيف أن المال نفسه فقد جزءًا من قوته الشرائية.

2. أنواع التضخم

التضخم ليس نوعًا واحدًا، بل يمكن تقسيمه إلى أنواع متعددة، بناءً على سببه ومدى شدته. ومن أبرز هذه الأنواع:
• التضخم الجامح (Hyperinflation): يحدث عندما ترتفع الأسعار بشكل غير طبيعي وسريع للغاية. وقد يتجاوز معدل التضخم مئات أو آلاف النسب المئوية، مما يؤدي إلى انهيار النظام الاقتصادي.
• التضخم المعتدل (Moderate Inflation): هو النوع الأكثر شيوعًا، حيث ترتفع الأسعار بشكل تدريجي وبمعدلات مقبولة. عادةً ما لا يتسبب في أضرار كبيرة، ويسمح بالاستقرار الاقتصادي.
• التضخم الكامن (Creeping Inflation): يحدث عندما تكون معدلات التضخم منخفضة جداً (أقل من 3%)، ويحدث بشكل غير محسوس تقريبًا على المدى الطويل، لكنه قد يتراكم ويؤثر على القوة الشرائية.
• التضخم المفرط (Galloping Inflation): يحدث عندما تتراوح معدلات التضخم بين 10% و50% سنويًا، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في الأسعار على المدى القصير وقد يشكل تهديدًا للنمو الاقتصادي.
• التضخم الركودي (Stagflation): هذا النوع من التضخم يحدث عندما تتزامن معدلات التضخم المرتفعة مع البطالة العالية والنمو الاقتصادي البطيء، مما يصعب من معالجة الحالة الاقتصادية.

3. أسباب التضخم

تتعدد أسباب التضخم وتتنوع، ومن أبرزها:

• زيادة الطلب وقلة العرض: عندما يرتفع الطلب على السلع والخدمات بينما يبقى العرض ثابتًا أو ينخفض، ترتفع الأسعار.
• ارتفاع تكاليف الإنتاج: مثل زيادة أسعار المواد الخام (كالنفط والمعادن) أو ارتفاع تكاليف النقل والطاقة.
• التضخم في السلع الأولية والخدمات: يشمل ذلك المواد الخام كالقمح والنحاس، والخدمات مثل النقل والرعاية الصحية، حيث تؤثر زيادة أسعار هذه المواد والخدمات بشكل مباشر على تكلفة السلع النهائية.
• السياسات النقدية وطباعة الأموال: إذا قامت البنوك المركزية بضخ كميات إضافية من الأموال في الأسواق دون زيادة موازية في الإنتاج، فإن قيمة العملة تنخفض، مما يؤدي إلى التضخم.
• الأزمات الاقتصادية والصدمات العالمية: مثل الحروب أو الكوارث الطبيعية التي تؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد وزيادة الأسعار.

4. التضخم والاستيراد والتصدير

يؤثر التضخم بشكل مباشر على التجارة الدولية من خلال تأثيره على أسعار السلع المستوردة والمصدرة:

• تأثير التضخم على الاستيراد:

عندما يرتفع التضخم في الدولة، فإن قيمة عملتها تنخفض، مما يجعل السلع المستوردة أغلى. على سبيل المثال، إذا ارتفع التضخم في المملكة العربية السعودية، فإن استيراد السلع من الخارج يصبح أكثر تكلفة، مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع المستوردة. هذا قد يؤدي إلى تراجع الطلب على هذه السلع، خصوصًا إذا كانت الأسعار أصبحت غير قادرة على التنافس مع المنتجات المحلية.

• تأثير التضخم على التصدير:

من ناحية أخرى، إذا كانت قيمة العملة قد انخفضت بسبب التضخم، فإن الصادرات تصبح أكثر تنافسية في الأسواق الدولية. وهذا يعني أن الشركات التي تصدر منتجاتها إلى الخارج قد تستفيد من زيادة الطلب على منتجاتها بسبب انخفاض الأسعار في الأسواق العالمية مقارنة بغيرها.

ومع ذلك، على الرغم من أن انخفاض العملة يمكن أن يعزز التصدير، إلا أن التضخم المرتفع قد يؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج المحلي، مما قد يقلل من قدرة الشركات المحلية على التصدير بأسعار تنافسية.

5. متى يكون التضخم مفيدًا؟ ومتى يصبح خطرًا..؟

التضخم المعتدل يمكن أن يكون مفيدًا، حيث يحفّز الأفراد والشركات على الإنفاق والاستثمار، مما يعزز النمو الاقتصادي ويوفر المزيد من الوظائف. أما إذا ارتفع التضخم بشكل مفرط، فإنه يصبح خطرًا حقيقيًا، حيث يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بسرعة، تآكل المدخرات، وزيادة الأعباء على الأفراد والشركات، مما قد يتسبب في ركود اقتصادي.

6. كيف يؤثر التضخم على الأفراد والأسرة ..؟

التضخم يؤثر بشكل مباشر على مستوى معيشة الأسر، حيث يؤدي إلى:
• ارتفاع تكلفة المعيشة: تصبح أسعار المواد الغذائية، السكن، والمواصلات أكثر تكلفة.
• تآكل قيمة المدخرات: إذ يفقد المال المدّخر قوته الشرائية مع مرور الوقت.
• زيادة أعباء القروض: تصبح القروض الشخصية والسكنية أكثر تكلفة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.

7. التضخم والاستثمار

التضخم يؤثر بشكل كبير على استراتيجيات الاستثمار. فمثلاً، في ظل ارتفاع التضخم، يلجأ المستثمرون إلى الأصول الثابتة مثل العقارات والذهب التي تحافظ على قيمتها ضد ارتفاع الأسعار. من جهة أخرى، قد تصبح السندات أقل جاذبية لأن عوائدها الثابتة لا تعوض عن التضخم المتزايد.

8. التضخم والوظائف

التضخم المعتدل قد يزيد من التوظيف لأن الشركات تنمو وتحتاج إلى المزيد من العمالة. ولكن في حالة التضخم المرتفع، قد تتردد الشركات في توظيف مزيد من الموظفين بسبب زيادة التكاليف وعدم استقرار الاقتصاد.

9. تأثير رفع سعر الفائدة في أمريكا على الاقتصاد العالمي والسعودي

بعيداً عن استخدام التضخم كأداة سياسية فإن رفع سعر الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي له تأثيرات واسعة على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك الاقتصاد السعودي. عندما يقوم البنك الفيدرالي برفع أسعار الفائدة:

• الاقتصاد العالمي:

تزداد تكلفة الاقتراض في الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى تباطؤ الاستهلاك والاستثمار داخل أمريكا. نظرًا لأن الدولار الأمريكي يعد العملة الرئيسية في التجارة العالمية، فإن ارتفاع سعر الفائدة يجعل الدولار أقوى، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف السلع المستوردة التي تُتداول بالدولار. كما أن رفع الفائدة يؤدي إلى انخفاض السيولة في الأسواق المالية، ما يؤثر على تدفقات الأموال إلى الأسواق الناشئة.

• الاقتصاد السعودي:

نظرًا لأن الريال السعودي مرتبط بالدولار الأمريكي، فإن أي تغير في أسعار الفائدة الأمريكية يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد السعودي. رفع الفائدة يؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض في السعودية، مما قد يقلل من الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري. كما يمكن أن يؤدي إلى تراجع أسعار النفط إذا حدث تباطؤ اقتصادي عالمي، ما يؤثر على الإيرادات النفطية للمملكة. بالمقابل، قد تستفيد بعض القطاعات الاقتصادية، مثل قطاع البنوك، من ارتفاع أسعار الفائدة بزيادة هوامش الربح على القروض.

10. التضخم في الفكر الإسلامي:

في الإسلام، لا يُذكر التضخم بشكل محدد، لكن هناك العديد من المفاهيم التي تتعلق بالقضايا الاقتصادية، مثل تحريم الربا والاحتكار. ومن أشهر الحوادث التي تبين كيفية تعامل الإسلام مع الارتفاع في الأسعار هي حادثة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة المنورة.

حين ارتفعت الأسعار في المدينة بسبب قلة المعروض من السلع الأساسية، جاء التجار إلى عمر بن الخطاب مطالبين بتحديد الأسعار بشكل رسمي. لكن عمر رفض ذلك وقال: “دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض.” ورغم ذلك، لم يترك عمر السوق دون ضوابط، بل كان يقاوم الاحتكار ويحث التجار على البيع بأسعار عادلة، وهو موقف يعكس الفهم العميق للسوق وأهمية توازن الأسعار.

الخلاصة

التضخم ليس مجرد ظاهرة اقتصادية، بل هو جزء من دورة الحياة الاقتصادية التي تؤثر على الأفراد والمجتمعات. مع فهم أسبابه وأنواعه وآثاره، يمكن اتخاذ تدابير لاحتوائه وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي واستقرار الأسواق. إن إدارة التضخم تتطلب سياسات اقتصادية حكيمة، كما أنها تمثل تحديًا للدول والشركات والأفراد على حد سواء.

2 تعليقات

التعليقات مغلقة.