بقلم الكاتب فيصل البكري
عندما نتحدث عن المناطق التاريخية في بلادنا. فهي مرتبطة بواقع الحياة الاجتماعية للحارة القديمة وأزقتها العتيقة.
فلم تكون يومآ مجرد منطقة وإطلالآ عبر القرون من الزمن. بل هي جزء من هويتنا وحاضرآ لمستقبل أجيالنا.
فالمحافظة على إرثها التاريخي وصيانتها هي صون لهويتنا “السعودية” الخالدة في ذاكرة الأجيال. أما تفعيل الاستثمار بطرق عشوائية يفقدها الهوية الثقافية من عادات وتقاليد كانت كفيلة بأن تبرز لنا المكنون الحقيقي للماضي الذي عاش فيها الآباء والأجداد.
فاليوم سأتناول في “مقالي” الذي أخص فيه المنطقة التاريخية لمدينة “الطائف” ذات العمق التاريخي كأقدم المدن التي تم استيطانها في الجزيرة العربية بما عُرفت في كتب التاريخ بأنها ثالث المدن الحضرية قبل بزوغ الإسلام بعد مكة والمدينة من خلال امتدادها لألفي عام. وهو ما جعلها مركزآ تجاريآ بين بلاد الروم والفرس والحبشة ومنها إلى اليمن وبلاد الشام.
فماضيها يشهد لهذه المدينة تاريخآ عظيمآ منذ القدم.
ولكن حينما تجوب أزقة وخانات هذه المدينة تشعر بأنك في منطقة فرضت عليها قوانين ومفاهيم ليس لها من تاريخنا وتراثنا بسبب قرارات القائمين على شؤونها من منسوبي “البلدية” التي أتخذوا إجراءات قاسية ضد أصحاب المحلات وإستثمارات ليس لها علاقة بتاريخنا لا من قريب ولا من بعيد حتى أصبحت منطقة البلد أشبه بالمنطقة التي تعيش بين ماضي تليد وحاضر فريد.
فما تفرضه بلدية الطائف من مخالفات دون سابق إنذار على أصحاب المحلات. هي إجراءات غير نظامية في حق أصحابها وكأنهم يعملون من أجل دفع تلك المخالفات الظالمة التي بسببها تكون طاردة للزائر والمتسوق بسبب رفع السلع التجارية من أصحاب المحلات للتساوى مع أسعار المجمعات التجارية.
كما أن إتخاذ عملية الإستثمار في المنطقة المركزية بطرق عشوائية ليس لها في أصل ماضينا وتاريخنا. فالمنطقة لا تستوعب تلك الإستثمارات المبنية على قرارات فردية من قبل وزارة البلديات والإسكان دون دراسة عن المنطقة والحياة الإجتماعية فيها.
فمثلا… العربات الكهربائية التي يبلغ طول الواحدة منها ما يقارب من الأربعة أمتار وهي تجوب الأزقة المتعرجة والضيقة التي تكتظ بالزائرين والمتسوقين أيام الإجازات الأسبوعية والأعياد. فهي تشكل عوائق للمارة ومخاطر على الأطفال وكبار السن. خلاف الإزعاج من إستخدام قائدها “للبوق” وكأننا في ملاعب كرة القدم.
لقد كانت لي زيارة لتلك المنطقة وشاهدت كيف كادت إحدى العربات من “دهس” أحد الأطفال عند خروجها من إحدى المنعطفات الداخلية. فلولا عناية الله لحدث ما لا يحمد عقباه وهذه واحدة من مساوئ الاستثمار العشوائي الذي نراه اليوم في المنطقة المركزية. فالعربات لم يكن مكانها الصحيح في مثل تلك الأماكن المزدحمة بالزائرين والمتسوقين.
أما فيما يخص وضع تلك المنطقة وإدراجها على باب الإستثمار في شهر رمضان من خلال تأجير الساحات والطرقات الضيقة “بالبسطات” وتواجدها أمام المحلات التجارية فهي تعوق المرء على التمتع بالمنظر العام والبيئة المحيطة عن طريق خلق تغييرات ضارة في طبيعية المنطقة وهو ما يمكننا أن نعرّفه بأنه تدهور مرئي وسوء المنظر للمنطقة التي تعتبر مركزآ حيويآ للمدينة القديمة.
ناهيك عن ما تسببه تلك “البسطات” من أضرار مادية جسيمة للتجار وأصحاب المحلات الذي تحمل أصحابها لإيجارات عجز الكثير منهم من سداد حقوق أصحاب العقارات بسبب تواجدها بشكل ملفت ومزعج. يبيع أصحابها نفس سلع المحلات بأسعار زهيدة.
فلست أعلم عن مدى فكر صاحب قرار وضع تلك البسطات في شهر رمضان. فيما كافة التجار ينتظروا الشهر الفضيل لتتحسن مبيعاتهم حتى يوفوا إيجاراتهم ذات القيمة العالية في هذا الشهر دون شهور السنة الأخرى. ناهيك ما تسببه “البسطات” من مخاطر جسيمة بسبب إستخدام الغاز والزيت لقلي البطاطا” حتى أصبحت رائحة المنطقة بسببها ثورة في عالم الطبخ دون النظر الى خطورة تواجدها بين المارة والمتسويقين.
لقد شاهدت مطاردة مراقبي البلدية لصبيان الذين يمارسوا بيع المحاصيل الزراعية من النعناع والحبق الخ. دون التمعن لمخاطرة المطاردة فيما لو أصطدم أحد هؤلاء الباعة بأحد كبار السن أو النساء وهو يركض دون شعور خوفآ من الإمساك به.
لماذا لا يكن هنالك تقنيين للباعة المتجولين وهم جزء من حياة الحارة القديمة بوضع لهم أماكن مخصصة يكون تصميمها ملائم للمنطقة وتراثها مع الأخذ في الإعتبار إصدار رخص صحية ليمارسوا البيع والشراء وفق الإشتراطات الصحية كما هي في الدول المتقدمة ونحن نقارع تلك الدول برؤية عراب بلادنا الذي أرى فيه كل صفات النمو والبناء.
على المسؤولين أن يتحملوا أمانة قراراتهم إتجاه الوطن والمواطن وكل زائر ومستطرق. فنحن بلد ليست في حاجة لتلك الصوّر التي أرهقت التاجر وشوهت حياتنا وتراثنا والله الموفق….