بقلم الكاتب عبدالرحمن العامري
تُعد الإعلانات أداة قوية للتأثير على وعي المجتمعات، إذ يُفترض أن تعكس تطورها وتحترم أدوار جميع الفئات. غير أن بعض الإعلانات قد تحمل، عن قصد أو دون قصد، رسائل تعيد إنتاج الصور النمطية، لا سيما فيما يتعلق بدور المرأة. ويُثير إعلان “مصرف معروف” الأخير جدلًا حول كيفية تمثيل المرأة في الإعلام، ومدى اتساق المحتوى التسويقي مع الواقع الاجتماعي.
إعلان مثير للجدل
يُظهر الإعلان فتاة تدخل ورشة سيارات، وعند إبلاغها بأن السيارة تحتاج إلى “أقمشة”—وهو مصطلح يُطلق على قطع غيار المكابح—تعود لاحقًا حاملةً لفات من قماش الملابس بدلًا من القطعة المطلوبة، مما يدفع الميكانيكي إلى التهكم بدهشة مبالغ فيها. ثم تأتي العبارة التسويقية: “الحياة صعبة مع اللي ما يفهمونك.. مصرف معروف يفهمك.”
رسائل ضمنية تكرس الصور النمطية
يطرح الإعلان عدة إشكاليات تتعلق بتمثيل المرأة، أبرزها:
1. تعزيز الفكرة النمطية عن عدم إلمام المرأة بالميكانيكا، رغم أن العديد من النساء اليوم متخصصات في الهندسة الميكانيكية وصيانة السيارات.
2. التصوير التهكمي للعميلة، وهو أمر غير احترافي في سياق تقديم الخدمات، حيث يُفترض أن يتم التعامل مع العملاء باحترام بغض النظر عن جنسهم.
3. تناقض الرسالة الإعلانية، إذ يروج الإعلان لفكرة أن المصرف “يفهم العملاء”، بينما يُظهر المشهد ميكانيكيًا عاجزًا عن إيصال المعلومة بوضوح، مما يضعف الحبكة ويجعلها غير متسقة مع الفكرة التسويقية.
الخلل الفني وضعف الحبكة
لا تقتصر الإشكالية على الصورة النمطية، بل تمتد إلى ضعف الترابط بين الفكرة والمشهد. فالفتاة في الإعلان ليست من “يجب أن يفهم العميل”، بل هي العميلة التي يُفترض أن تتلقى خدمة واضحة واحترافية. ومن هنا، فإن المشكلة ليست في عدم فهمها، بل في طريقة التواصل التي استخدمها الميكانيكي.
كان بالإمكان تقديم فكرة الإعلان بطريقة أكثر دقة واحترافية، عبر التركيز على مواقف سوء الفهم في التعاملات المصرفية بدلًا من اللجوء إلى سيناريو يعيد إنتاج تصورات تقليدية عن المرأة.
المرأة بين التنميط والتغيير
شهدت العقود الأخيرة تطورًا كبيرًا في أدوار المرأة، حيث أصبحت فاعلة في مختلف المجالات، من الطب والهندسة إلى ريادة الأعمال، متجاوزةً الصور التقليدية التي حصرتها في أدوار محددة. ومع ذلك، لا تزال بعض الحملات الإعلانية تعتمد على قوالب قديمة لا تعكس الواقع، متجاهلةً أن النساء اليوم يشغلن مناصب قيادية في شركات السيارات والهندسة الميكانيكية وغيرها من التخصصات التقنية.
دور المرأة في الإسلام والمجتمع
منذ القدم، لعبت المرأة دورًا أساسيًا في نهضة المجتمعات، والإسلام بدوره كرّمها وجعلها شريكًا فاعلًا في البناء والتطوير. ومن الشخصيات البارزة عبر التاريخ:
• السيدة خديجة بنت خويلد، التي كانت تاجرة ناجحة ودعمت النبي ﷺ في رسالته.
• الخنساء، التي كانت مثالًا للصبر والثبات وقدمت أبناءها الأربعة في معركة القادسية.
• موضي بنت أبي وهطان، التي كان لها دور بارز في دعم تأسيس الدولة السعودية الأولى.
• غالية البقمية، التي قادت المقاومة ضد الغزو العثماني في مطلع القرن التاسع عشر.
إنجازات المرأة السعودية الحديثة
في السعودية، شهد تمكين المرأة تطورًا ملحوظًا، حيث أثبتت السعوديات جدارتهن في مختلف القطاعات، ومن بين الأسماء البارزة:
• رَيَّانة برناوي، أول رائدة فضاء سعودية، التي حققت إنجازًا تاريخيًا في مجال الفضاء.
• غادة المطيري، عالمة متخصصة في تقنية النانو، ولها إسهامات في تطوير الأبحاث الطبية.
• مشاعل الشميمري، أول مهندسة صواريخ سعودية تعمل في وكالة ناسا.
• لبنى العليان، واحدة من أبرز سيدات الأعمال في المملكة.
• د. هالة التويجري، رئيسة هيئة حقوق الإنسان في السعودية.
• د. خولة الكريع، باحثة متخصصة في علم الجينات وأبحاث السرطان.
نساء عربيات وعالميات غيّرن التاريخ
• نورة الكعبي (الإمارات)، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، التي ساهمت في تمكين المرأة في الإعلام.
• هبة خليل (مصر)، طبيبة متخصصة في زراعة الأعضاء.
• ماري كوري (بولندا/فرنسا)، أول امرأة تفوز بجائزة نوبل مرتين.
• أدا لوفلايس (بريطانيا)، أول مبرمجة في التاريخ.
• كاثرين جونسون (أمريكا)، عالمة رياضيات ساهمت في نجاح رحلات الفضاء.
الإعلام مسؤولية.. لا وسيلة لتكريس القوالب النمطية
تلعب الإعلانات دورًا كبيرًا في تشكيل الصورة الذهنية للمجتمع، ومن هنا تأتي أهمية تقديم المرأة بشكل أكثر إنصافًا وواقعية، بعيدًا عن التنميط الذي لم يعد يعكس الحاضر.
لم تكن المرأة يومًا عاجزة عن الفهم أو التميّز، بل كانت ولا تزال ركنًا أساسيًا في بناء المجتمعات، من خديجة والخنساء وموضي بنت أبي وهطان، إلى رَيَّانة برناوي وغادة المطيري ومشاعل الشميمري. وعليه، فإن مسؤولية الإعلام والإعلان تكمن في مواكبة التطور، وعكس صورة متوازنة تعكس حقيقة دور المرأة في المجتمع، بعيدًا عن الصور النمطية التي عفا عليها الزمن.