بقلم الكاتب الدكتور علي القحيص
من موروثنا العربي الشعبي أن هناك رجلا فلاح يزرع القمح ولديه ثوران ، واحدا مربوط بعيدا عن الحقل ويعيش على الفتات ويقف تحت الشمس بحالة مزرية من الإهمال.
والثاني (منفلت) طليق بدون رباط يصول ويجول ولديه القدرة الفائقة بالتحايل والسرعة العجلة بالمراوغة للهروب ، وكل يوم يذهب إلى حقل القمح وياكل بشراهه مايكفيه من الزرع ، والباقي يدمره برجله وقرونه وذيله ويعيث به خرابا عمدا وتهورا غير مبالي بصاحب الحقل.
يأتي الفلاح يركض وما إن الثور يراه مقبلا ،يهرب بعيدا بعد أن يحطم الزرع بأرجله ذهابا وإيابا .
يعود الفلاح إلى الثور المربوط بعيدا عن الزرع ، ويقوم بضربة ضربا مبرحا بعصا غليضة براسها كتلة من الحديد ، يضربه بقوة حتى يدمى رأسه وعينيه وهكذا دواليك !
للفلاح جار طاعن بالسن لما رأي جاره يتصرف تصرف اهوج واحمق وغير منصف ولا عادل ، ولايستطيع ضرب الثور الذي اكل الزرع واذاه ، بينما يفتل عضلاته ويقوم بضرب الثور المربوط بشكل قاس ومؤذي حتى يدميه !.. فقال له لماذا كل يوم هكذا تفعل ياجاري بهذا الثور المسكين المربوط ؟
رد عليه صاحب الزرع ، وقال انت لاتفقه بالأمور شيء ولاتعلم ولاتدري لو أن هذا الثور المربوط( ينفلت) ويصبح الحبل على القارب ماذا يفعل بالزرع ، سوف يضر القمح أكثر ضررا من المفلوت!!
اسوق هذا القصة بعد ماسمعنا تصريحات الرئيس الامريكي ترامب الهوجاء ،المستقربة والمستهجنة حين يقول سوف اشتري مدينة غزة واستولي عليه وربما اوزع أجزاء منها لبعض الدول او ضمها لأسرائيل ، وتصريحات نتنياهو المدانه المتهورة الغير مسؤولة ، حين يقول نهجر أبناء قطاع غزة إلى المملكة العربية السعودية ولم يعودو بعد ، وكأن مدينة غزة (عقار للبيع)، او قطعة أرض للزراعة قابلة للاستثمار والإيجار ، وهي أرض عربية فلسطينية عمرها أربعة آلاف سنه وهي لأهلها واصحابها الشرعيين!
وكنا ننتظر من الرئيس المنتخب ترامب ، أن يضع حد للمتهور والمتعجرف الإرهابي القاتل المجرم (نتنياهو) ، لا ان يجازيه ويدعمه بعد أن قتل أهل غزة وأبناء المدن الفلسطينية،ودمر قطاع غزة تماما، بعد أن قتل اكثر من ٥٠ ألف فلسطيني من الأطفال والشيوخ والأمهات، ولازال البعض منهم تحت الأنقاض !
ماهذا الانحياز الظالم المتطرف، والصلف المنحاز مع القاتل ضد القتيل ، بهذه المعايير المزدوجة والكيل بمكيالين ، في وقت أن العالم ينادي للسلام والعدالة وإحترام الإنسان والاديان ، في هذا العصر الذي يفترض أن يكون النظام العالمي الجديد ، يقدر البشرية ويصون كرامتها كما يدعون دائما ، وليس قتل الإنسان وتدمير وطنه وتهجيرة وابعادة عن أرضه ، وهذا حقه حسب الشرائع والقوانين الدولية ، والقرارات الأممية ، التي ضربها وتجاهلها ترامب بعرض الحائط بوعودة العبثية بكل تهور وبطش وقوة ورعونه ، لايسمع أو يصنت أو يستجيب إلا( للثور المنفلت) ،الذي أكل الزرع والشجر والضرع ، وحطم كل امال وتطلعات العالم اجمع، الذي ينتظر سلام عادل تسوده الحرية والأمن والأمان ، كما يزعمون ويتشدقون بانهم ماضون باحترام الإنسان وصونه من الإرهاب والظلم والطغيان !!
أليس هذا الإرهاب بعينه، والطغيان بجحودة وظلمه وغطرسة حين تسفك الدماء البريئة بدم بارد بدون شعور واي أحساس من ( الثور) الآخر ؟!!
كثير هي الثيران المنفلتة .. والأكثر من ذلك تلك الثيران المربوطة
التعليقات مغلقة.