الرئيسية إقتصاد عبدالرحمن العامري يكتب :(التسول وتأثيره الاقتصادي .. بين المجتمع السعودي واقتصاد الظل...

عبدالرحمن العامري يكتب :(التسول وتأثيره الاقتصادي .. بين المجتمع السعودي واقتصاد الظل العالمي)…!!؟!!

183
0

بقلم الكاتب عبدالرحمن العامري

تعد ظاهرة التسول واحدة من القضايا الاجتماعية التي تثير تساؤلات عديدة حول تأثيراتها على المجتمع والاقتصاد، لكونها جزءًا من اقتصاد الظل الذي يضم الأنشطة الاقتصادية غير الموثقة أو غير القانونية. تتخذ هذه الظاهرة أبعادًا معقدة تتراوح بين الأسباب الاقتصادية والاجتماعية، وقد تكون لها آثار سلبية عميقة على المجتمعات، خاصة في الدول النامية. وفي المملكة العربية السعودية، تتزايد الجهود لمكافحة هذه الظاهرة نظراً لتأثيراتها الكبيرة على الاقتصاد والمجتمع.

اقتصاد الظل

تعريفه وأثره على الاقتصاد

يشير مصطلح “اقتصاد الظل” إلى الأنشطة الاقتصادية التي تتم خارج الإطار الرسمي للأنظمة والقوانين، مثل التهرب الضريبي، العمالة غير الرسمية، والتستر التجاري، والتسول. وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية (ILO) لعام 2019، يُقدر أن اقتصاد الظل يشكل ما بين 10% و30% من الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول النامية، بما يعكس حجم الأنشطة غير الرسمية التي لا يمكن ضبطها بسهولة.

والتسول هو أحد المظاهر الرئيسية لهذا الاقتصاد غير الموثق، حيث يقوم الأفراد بالبحث عن الأموال بطريقة غير قانونية أو غير منظمة، مما يساهم في زيادة التفاوت الاجتماعي والفقر.

حجم التسول وأنواعه

تشير الأبحاث إلى أن حجم الأموال التي يتم جمعها من التسول في السعودية قد يصل إلى ما بين 10 إلى 15 مليون ريال سنويًا. وتتنوع أساليب التسول بين عدة أشكال رئيسية:
1. التسول المباشر: الذي يتم في الأماكن العامة مثل الأسواق والمساجد، حيث يطلب المتسولون المال مباشرة من المارة.
2. التسول الإلكتروني: حيث يعتمد بعض الأفراد على منصات التواصل الاجتماعي كوسيلة لجمع الأموال من خلال التبرعات عبر الإنترنت.
3. التسول المنظم: وفي هذه الحالة، تُدار عمليات التسول من قبل عصابات منظمة، ما يجعل من الصعب محاربة الظاهرة.
4. التسول المتنقل: حيث يتنقل المتسولون بين عدة مناطق في المدينة لزيادة فرص جمع المال.

أنواع المتسولين وفئاتهم

تختلف فئات المتسولين في المملكة من حيث الأعمار والظروف الاجتماعية، ومنها:
1. الأطفال المتسولين: يشكل الأطفال نسبة كبيرة من المتسولين في المملكة. هؤلاء الأطفال يتعرضون للاستغلال من قبل عصابات التسول أو حتى أسرهم، ما يعرضهم لمخاطر صحية ونفسية.
2. النساء المتسولات: النساء اللواتي يواجهن ظروفًا اجتماعية صعبة، مثل الطلاق أو فقدان المعيل، قد يلجأن للتسول كوسيلة للبقاء على قيد الحياة.
3. العمالة المخالفة: يشمل التسول أيضًا العمالة المخالفة لأنظمة الإقامة والعمل، الذين يفقدون وظائفهم بسبب وضعهم غير القانوني، وبعضهم قد يلجأ للتسول بعد دخولهم المملكة بشكل غير شرعي.
4. المتسللون عبر الحدود: بعض المتسولين يدخلون المملكة بشكل غير قانوني، مما يعقد عملية ضبطهم ومكافحة التسول.

التسول في السعودية

تطور الظاهرة والجهود المبذولة لمكافحتها

من خلال دراسات عديدة، مثل دراسة الباحث خالد العيسى في 2018، تبين أن التسول في المملكة قد شهد تزايدًا في السنوات الأخيرة، ما استدعى تبني سياسات أكثر فاعلية لمكافحة هذه الظاهرة. وأكدت الهيئة العامة للإحصاء أن الجهود الحكومية قد أسهمت في تقليص هذه الظاهرة، رغم استمرار تحديات ضبطها.

الجهود الحكومية لمكافحة التسول

تتضافر جهود عدة جهات حكومية لمكافحة التسول، وتشمل أبرز هذه الجهود:
1. وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية: من خلال تقديم برامج تأهيلية للمحتاجين الذين يتسولون بسبب قلة الفرص الاقتصادية، وتشجيع التبرعات عبر القنوات الرسمية.
2. وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد: تقوم الوزارة بتوعية المجتمع حول أهمية تجنب التبرع مباشرة للمتسولين، والحث على تقديم الدعم للجمعيات الخيرية المعترف بها، تخصيص خطبة الجمعة لتوعية المجتمع مباشرة.
3. وزارة الداخلية: تعمل الوزارة على تنظيم الحملات الأمنية لضبط المتسولين في الأماكن العامة وتطبيق الأنظمة المتعلقة بمكافحة التسول، ومراقبة الشوارع والطرقات والميادين والحث على تقديم البلاغات على 911 .
4. أمن الحدود وأمن الطرق: تلعب هذه الجهات دورًا أساسيًا في ضبط المتسولين من العمالة المخالفة أو المتسللين عبر الحدود، او المتخلفين من الحج والعمرة وتطبيق الأنظمة بحقهم.
5. وزارة التعليم: تساهم الوزارة في نشر الوعي بين الطلاب من خلال المناهج الدراسية والنشاطات التوعوية حول مخاطر التسول وتأثيره على المجتمع.
6. المؤسسات الخيرية: مثل جمعية البر وجمعية الرحمة التي تُعنى بتقديم الدعم المالي للمحتاجين بشكل منظم، وتعمل على إعادة تأهيل المتسولين.

أنظمة وإجراءات مكافحة التسول

لقد أقرَّت المملكة نظامًا قانونيًا يتعامل مع ظاهرة التسول من خلال غرامات مالية وعقوبات قانونية ضد المتسولين. ويشمل النظام أيضًا اتخاذ إجراءات ضد العصابات التي تنظم عمليات التسول. كما تعمل السلطات على استخدام تقنيات المراقبة الحديثة لتعقب المتسولين في الأماكن العامة وتقديم المساعدة لهم بشكل منظم.

أثر التسول على الموارد البشرية

يشكل التسول تهديدًا مباشرًا للعمالة المحلية والوافدة، حيث يعزز من تفشي العمالة الهشة التي تفقد فرص العمل الرسمية، مما يزيد من التفاوت الاجتماعي. هذا يؤثر بشكل سلبي على الاستقرار الاجتماعي في المملكة، كما يضع ضغوطًا على القطاع العام في تقديم الدعم للفئات المحتاجة.

التسول والمرأة والطفل: التأثيرات السلبية

تعتبر النساء والأطفال من الفئات الأكثر تأثرًا بالتسول، حيث يعاني الأطفال من الاستغلال من قبل عصابات التسول أو أسرهم. أما النساء، فيُجبرن على التسول بسبب الظروف الاجتماعية الصعبة مثل فقدان المعيل أو الطلاق، مما يعرضهن لمخاطر صحية ونفسية خطيرة، كما ان جهود السعودية ضمنت كافة الحقوق فأقرت نظام حماية الطفولة ومجلس الأسرة وغيرها مما يكفل ويدعم حقوق الفئات المعرضة لخطر.

أثر التسول على جهود تطوير السياحة والاستثمار

تؤثر ظاهرة التسول بشكل مباشر على جهود السياحة والاستثمار في المملكة. فمع رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تنمية قطاع السياحة كأحد المحركات الاقتصادية، يشكل التسول عائقًا أمام جذب السياح والمستثمرين الأجانب. حيث أن التسول يُضعف السمعة السياحية و الاستثمارية للمملكة، ويشوه مظهرها الثقافي والحضاري ويزيد من القلق لدى الزوار والمستثمرين حول استقرار المجتمع.

أثر التعاطف المجتمعي: موازنة بين المساعدة والتسول

يلعب التعاطف المجتمعي دورًا كبيرًا في تعزيز ظاهرة التسول، حيث يساهم بعض الأفراد في التبرع للمتسولين من باب الرحمة والتعاطف، دون أن يدركوا أن هذا قد يعزز من استمرار الظاهرة ويشجع على الاستغلال. في هذا السياق، تسعى الجهات الحكومية والمجتمع المدني إلى توجيه هذا التعاطف نحو الجمعيات الخيرية المعترف بها، وباستخدام أحدث التقنيات لتسهيل عملية التبرع للبرامج والمبادرات التي توفر مساعدات فعّالة ومُوَجَّهة للمحتاجين الحقيقيين.

ختامًا: خطوات نحو القضاء على التسول

على الرغم من التحديات المستمرة التي تفرضها ظاهرة التسول، إلا أن الجهود المشتركة من قبل الحكومة و المجتمع المدني تساهم بشكل كبير في الحد من تأثيراتها السلبية. من خلال التوعية المجتمعية، البرامج التأهيلية، و الرقابة القانونية، يتوقع أن تتراجع هذه الظاهرة بشكل ملحوظ في المستقبل. استمرار التنسيق بين الجهات المعنية سيسهم في تقليص التسول، مما يضمن أن تصل المساعدات إلى المحتاجين الحقيقيين ويضمن استقرارًا اجتماعيًا واقتصاديًا أكثر فعالية.