بقلم اللواء الركن مهندس الدكتور الأمير بندر بن عبد الله بن تركي آل سعود يكتب
استعرت خلال الأيام القليلة الماضية، حرب إعلامية رخيصة، قديمة جديدة، ضد بلادنا الطيبة المباركة، التي ليس مثلها في الدنيا وطن، مهبط الوحي، موطن سيد ولد آدم، خاتم الأنبياء والمرسلين، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. أرض الحرمين الشريفين، التي تشرئب إليها أعناق المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. كما أصبحت اليوم، بجانب كل هذا التشريف العظيم على سائر بلاد الدنيا، مقصداً يشد إليه زعماء العالم (أوله وثالثه) على حد سواء، الرحال من كل قارات العالم، صباح مساء؛ مثلما يقصدها ملايين الباحثين عن كسب قوتهم، الفاقدين الأمن والأمان والاطمئنان والاستقرار في بلدانهم.
أقول، استعرت تلك الحرب الإعلامية الرخيصة ضد بلادنا، لما لها من شرف وسبق وريادة، وحظوة وقبول ومكانة لدى شعوب العالم، عربيهم وأعجميهم، مسلمهم ومتنصرهم وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، لأن الجميع لم يعرفها غير إنها مفتاح للخير، مغلاق للشر.
فجاء أصحاب الفتن هذه المرة بدم كذب، مستغلين تطور التقنية، وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعة انتشار الأخبار في لمح البصر؛ فعالجوا صوراً رقمية، وأضافوا إليها ما ظنوا أنه سيحقق هواهم من أصنام ومجسمات ترضي أسيادهم الذين اشتروهم لتنفيذ تلك المهمة القذرة. كما نشروا أفلاماً مصورة (فيديوهات) لراقصات كاسيات عاريات فوق مجسم للكعبة المشرفة، تتوشح إحداهن سيف (ذو الفقار) ويتغنى بعضهن بآيات من كتاب الله الكريم مع موسيقى صاخبة، والعياذ بالله؛ فيما أظهروا مقاطع لفتاة قال أصحاب الفتنة، سعاة الشر، إنها لفتاة سعودية ترقص مع فنانها المفضل، وأخرى تحتضنه.
غير أن أولئك الجهلة الأغبياء الحاقدين المأجورين، لم يضعوا في الحسبان مواكبة المواطن السعودي لتطور التقنية لدرجة تفوقه عليهم. فقد أكدت الهيئة السعودية لمكافحة الإشاعات، أن تلك كلها مجرد أكاذيب ومحض افتراء، وإشاعات مغرضه، ظن مروجوها أنها ستصيبنا في مقتل، فتفت عضدنا، وتشوه صورتنا، ومن ثم تحرض إخوتنا العرب والمسلمين علينا، وتجيشهم ضدنا، مدفعون بالحقد والغيرة والحسد.. أقول أكدت هيئة مكافحة الإشاعات أماكن حدوث تلك الوقائع في كل من بريطانيا، أمريكا، أذربيجات والأرجنتين. أما مجسمات الكعبة المشرفة والأصنام، فهي استغلال رخيص للتقنية في معالجة الصور الرقمية لإظهار شيء آخر مختلف من عدة أشياء، يدعم أكاذيبهم.
لكن الذي لم يفطن له أولئك الأغبياء، أنه مثلما نفثوا هم سمومهم لإرضاء أسيادهم وكسب ودِّهم، سعياً للحصول على ثمن بخس، يستطيع الجميع الآن أن يتحقق من صحة مزاعمهم عن طريق الدخول إلى موقع الهيئة السعودية لمكافحة الإشاعات (info@NoRumors) لمعرفة التفاصيل كاملة.
وعلى صعيد آخر، أرى أن أولئك المغرضين، وكل من لف لفهم وكان خلفهم من أصحاب الأغراض الرخيصة، هم أيضاً أصحاب عقول صغيرة رخيصة، إذ فات عليهم أن مغالطاتهم تلك تحمل دليل تكذيبها في داخلها.. لقد نسوا أنه لا يمكن لأي عاقل، بل حتى للطفل الذي لم يبلغ الحلم، أن يصدق أن دولة الرسالة التي أنشئت أساساً لرفع راية التوحيد، وإعلاء كلمة الله، وخدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، ورعاية ضيوف الرحمن، تسمح بما أشاعه أولئك المغرضين من أكاذيب، ونشروه من عري وتفسخ ومجون، وامتهان للكعبة المشرفة.
أجل، فات على تلك الشرذمة الشريرة من أصحاب العقول الحاقدة، وكان بدهياً أن يفوت عليها لولوغها في الجهل والتخلف، أن السعوديين كلهم، صغيرهم قبل كبيرهم، ونساؤهم قبل رجالهم، ومواطنهم البسيط العادي، قبل دولتهم الرسمية، على استعداد تام للدفاع عن بيت الله الحرام بأرواحهم ودمائهم وكل ما يملكون.
أما عن صور الرقص والتعري والخلاعة والاحتضان، فأؤكد للجميع أن أي فتاة سعودية، مهما كانت درجة التزامها، وتواضع تعليمها، بصرف النظر عن سنِّها، إن منحتها الدولة صك براءة، وسمحت لها أسرتها وربعها كلهم، بفعل ما تريد حسب هواها، وتم إعطاؤها وثيقة بعدم التعرض لها بأي نوع من أذىً.. أقول، إن ضمنت أي فتاة سعودية ذلك كله، ومعه رهان بمنحها كل ما في الدنيا من ثروة، لن تقدم على مثل ذلك المجون الرخيص، حتى إن كان ذلك في غرفة مظلمة لن يرها فيها أحد.
ليس الفتاة السعودية فحسب، بل حتى المتساهلات من صاحبات الفطرة السوية، من غير المسلمات، لن يقدمن على مثل تلك الممارسات القميئة التي تنفر منها النفس البشرية الكريمة، مهما أعطين من مغريات.
لكنه على كل حال، الحقد والحسد، والشر والنفاق، والكراهية والنفس غير السوية، التي اتصفت بها تلك الشرذمة بدافع الارتزاق. والمؤسف حقاً، الذي يغفل عنه كثيرون، أن صفاتهم تلك هي أخطر فيروس على وجه الأرض، يمكن أن يشعل فتيل فتنة لا تبقي ولا تذر. فالإنسان الذي يكون داخله ملوث بطبعه، لن يستوعب رؤية غيره ناجحين.
وعليه أطالب الجميع بعدم تصديق أي إشاعة قبل التحقق من مصدرها، والتأكد من صدقها. فقد قيل إن أعظم خطيئة بحق العقل البشري، هي تصديق الأشياء بدون دليل. فعلى كل من يرغب في فهم صحيح، قائم على حجة منطقية، يقبلها العقل، أن يكف عن تصديق ما يقوله الآخرون وما يكتبونه أو ينشرونه، فليلاحظ أولاً ثم ليكتشف بنفسه، حتى لا يكون شريكاً في الجرم، ويرتكب إثماً عظيماً في حق نفسه بترويج إشاعات مغرضة مهلكة في الدنيا والآخرة، فالأمر جد عظيم، لأنه يتعلق ببيت الله الحرام وكتابه الكريم وأعراض الناس.. فهو إذاً ليس مزحة أو تسلية بريئة.
أختم لأقول: العقول الكبيرة تواجه دوماً مناهضة عنيفة هوجاء من العقول القاصرة. لكن على كل حال، مهما كانت التحديات التي أمام السعوديين، لن يفقدوا تركيزهم على أهدافهم الأساسية، إذ لن تشغلهم مثل تلك الترهات. ولهذا سوف تظل قافلة خيرهم القاصد تحث سيرها دوماً نحو غاياتها السامية العظيمة.
وليعلم الجميع أن السعوديين لا ينتظرون أحداً لكي يحدد قيمتهم، بل لا يسمحون بهذا لأيٍّ كان. فهم وحدهم الذين يحددون قيمتهم ويعرفون قدر أنفسهم، ويدركون وجهتهم، ويمتلكون كل مقومات النجاح للوصول إليها.
وأخيراً: أحذِّر أولئك الذين بلغت بهم الوقاحة درجة إقحام الكعبة المشرفة في نذالتهم تلك، من غضب الله ولعنته، فحاشا أن يكون بيت الله مادة لتنفيذ أجندة مغرضة وارتزاق.