سيدات مكَّة يسجلن أروع القصص في خدمة ضيوف الرحمن

91
0

مكة المكرمة، المكان الذي تهفو إليه قلوب ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم، يشهد في كل موسم حج جهودًا جليلة من أهالي المدينة في خدمة ضيوف الرحمن. وسط هذه الجهود المتميزة، تتألق سيدات مكَّة بأدوارهن البارزة في تقديم الدعم والمساعدة للحجاج، مما يعكس التزامهن العميق بروح العطاء والتطوع.

تروي الشابة لينا الجفري – 24 عاماً-قصتها بتفاصيل مؤثرة، قائلة: «منذ صغري وأنا أرافق والدتي وخالاتي في هذا العمل التطوعي كان الحج بالنسبة لنا مناسبة ننتظرها بفارغ الصبر لتقديم العون للحجاج ورسم البسمة على وجوههم، وهو ما نشأنا عليه وتوارثناه جيلًا بعد جيل.» وتضيف لينا: «خلال موسم الحج، نبدأ التحضيرات قبل أسابيع من وصول الحجاج، حيث نقوم بشراء المواد الغذائية وإعداد الوجبات المتنوعة التي تتناسب مع أذواق وثقافات الحجاج المختلفة.»

تحديات كبيرة

تعمل لينا وفريقها على تنظيم جهودهم بعناية فائقة، حيث تبدأ عمليات التوزيع بعد صلاة الفجر، حيث يتوزعون على مختلف مناطق الحرم والمشاعر المقدسة، حاملين صناديق الوجبات والمياه الباردة. تقول لينا: «نشعر بفرحة كبيرة عندما نرى الحجاج يتناولون الطعام بسعادة، فهم غالبًا ما يكونون مجهدين من الرحلة الطويلة، بعضهم يبدي امتنانًا بالغًا ويبادلنا الدعوات الطيبة، مما يعطينا دافعًا كبيرًا للاستمرار.»

لم يقتصر عمل لينا وفريقها على توزيع الطعام فقط، بل يشمل أيضًا تقديم المساعدة الطبية والإرشادات الصحية، فقبل 3 سنوات، حضرت لينا دورة تدريبية في الإسعافات الأولية بالتعاون مع الهلال الأحمر السعودي، مما مكنها من تقديم المساعدة للحجاج الذين يعانون من الإجهاد الحراري أو الإصابات البسيطة. تقول لينا: «التدريب الذي تلقيناه ساعدنا على الاستجابة السريعة والفعالة في الحالات الطارئة، وكثيرًا ما نتعاون مع الفرق الطبية المتواجدة في الحرم لتوفير الرعاية اللازمة.»

ومن بين القصص المؤثرة التي ترويها لينا، حادثة وقعت قبل عامين حينما فقدت حاجّة مسنة من جنوب شرق آسيا الاتصال بمجموعتها، وكانت تعاني من صدمة نفسية شديدة. «اقتربت منها وطمأنتها، قدمت لها الماء والطعام، وحاولت طمأنتها وتهدئتها ووعدتها بأنني لن أتركها حتى تجد مجموعتها، وتواصلت مع الجهات المعنية واستطعنا بمساعدة المتطوعين الآخرين إعادتها إلى مجموعتها بسلام، لا يمكن أن أنسى هذا الموقف في حياتي فقد كانت الحاجَّة تغمرني بالأحضان وهي تبكي بسعادة من الفرح والامتنان.

ليس من السهل دائمًا القيام بهذا العمل التطوعي، حيث يواجه الفريق تحديات كبيرة تتعلق بالتنظيم والتنسيق، خصوصًا مع الأعداد الكبيرة من الحجاج. تقول لينا: «نعمل على تحسين أدائنا كل عام، ونتعلم من تجاربنا السابقة. الأهم هو أن يكون لدينا روح التعاون والإصرار على تقديم أفضل خدمة ممكنة لضيوف الرحمن.»

هذه الجهود المتفانية لا تقتصر على لينا وعائلتها فقط، بل هي جزء من تقليد طويل وعريق في مكَّة المكَّرمة، حيث يعتبر سكانها خدمة الحجاج شرفًا عظيمًا ومسؤولية كبيرة، ومع تزايد عدد الحجاج عامًا بعد عام، تتزايد أيضًا الجهود التطوعية والمبادرات الإنسانية التي تجعل من موسم الحج تجربة فريدة ومريحة للحجاج من مختلف أنحاء العالم.

الشباب دورهم محوري

في أجواء حرارة الصيف الشديدة، وقفت هناء عنقاوي، البالغة من العمر 27 عاماً، وسط جموع الحجاج توزع المظلات والمياه المعدنية والتمور، لتصبح رمزاً للتفاني والعطاء في موسم الحج.

تقف هناء بثبات ورصانة، تحمي نفسها من حرارة الشمس بغطاء رأس خفيف وأحياناً تضع المظلة على رأسها لتحمي نفسها من لهيب الشمس. بيدها اليمنى تحمل علب المياه المعدنية الباردة، وفي يدها الأخرى سلة مليئة بالتمور المغلفة، توزعها بعناية على الحجاج، قطرات العرق تتلألأ على جبينها، لكنها لا تبالي، فهي مكرسة كل جهدها لتخفيف معاناة الحجاج.

هناء، التي تعيش حياة هادئة مع عائلتها في إحدى ضواحي مكة وتعمل كموظفة في إحدى الشركات الخاصة، لم تكن تتخيل أنها ستجد نفسها في هذا الدور، لكن حبها للعطاء والرغبة في تقديم الخير دفعاها إلى اتخاذ قرارٍ غير متوقع، ففي أحد الأيام الحارة، قررت هناء في نفسها أن تبدأ رحلتها في خدمة ضيوف الرحمن.

بدأت هناء الرحلة في توزيع المظلات والمياه المعدنية وسلال التمور على الحجاج، تقف في مواقع استراتيجية مثل مداخل المساجد والمواقع الدينية، ترحب بالحجاج بابتسامة دافئة وكلمة طيبة. تقول هناء «لم أتخيل أنني سأجد نفسي هنا، لكن رؤية الابتسامة على وجوه الحجاج تجعل كل جهد يبذل يستحق العناء».

من خلال عملها، تسلط هناء الضوء على الدور المحوري الذي يلعبه الشباب في بناء مجتمع متلاحم ومتعاون، هذا العمل التطوعي ليس مجرد عمل خيري، بل هو تعبير عن قيم التكافل والتضامن التي تميز المجتمع المكَّي. تضيف هناء «أشعر بالسعادة البالغة عندما أرى شكر الحجاج ودعواتهم الصادقة لي. كل مظلة أوزعها وكل زجاجة ماء أقدمها تجعلني أشعر بالفخر».

المعنى العميق

هناء وجدت في عملها التطوعي معنى جديداً للسعادة والرضا. تقول» كلما خففت عناء الحجاج وساعدتهم على تجاوز مشاق المناسك، شعرت باندفاع قوي من الإشباع الداخلي، اعترف بأنه من خلال هذا العمل، وجدت معنى جديداً للحياة، الرضا الداخلي الذي أشعر به لا يوصف».

هناء عنقاوي، بشجاعتها وإصرارها، أصبحت الآن رمزاً للعطاء في موسم الحج، من خلال تفانيها، وتبرز القيم الإنسانية النبيلة للمجتمع المكَّي وتؤكد على أهمية دور الشباب في بناء مجتمع قوي ومتماسك. في كل ابتسامة تستقبلها وكل دعاء صادق يُوجه لها، تجد هناء دافعاً للاستمرار في رحلتها المليئة بالعطاء والخير.

هذه النماذج النسائية الرائدة تظهر كيف يمكن للأفراد، بغض النظر عن جنسهم أو أعمارهم، أن يساهموا بشكل كبير في تحقيق تغيير إيجابي في مجتمعهم، بتفانيهن وإرادتهن الصلبة، تسطَّر سيدات مكَّة أروع القصص في سجل التطوع والعطاء، مما يجعلهن رموزًا للفخر والإلهام في خدمة ضيوف الرحمن.

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك !
الرجاء إدخال اسمك هنا