الإجازة الصيفية.. ربوع الوطن أفضل

96
0

في كل عام تأتي الاجازة الصيفية لينعم الطلاب بنصيب وافر من الراحة بعد عناء عام دراسي كامل كان مليئاً بالجد والمثابرة، والاستيقاظ في كل صباح من أجل الذهاب إلى المدرسة لتحصيل العلم، وكانت الإجازة فيما مضى لدى جيل الأمس القريب بالنسبة للطلاب والطالبات وذويهم لا تعني السفر والتمتع بالطبيعة أو زيارة الأماكن الأثرية أو التراثية، بل كانت أيامها تمر كباقي أيام السنة، إلاّ أنها تختلف بعدم الذهاب إلى المدرسة وأخذ قسط وفير من الراحة والنوم الهادئ الذي لا يعقبه الاستعداد والذهاب إلى المدرسة، وكان الطلاب مثلاً يعينون آباءهم في أعمالهم الزراعية أو الحرفية، وقد يهجرون البيوت إلى السكن في المزارع إذا صادف ذلك وقت حصاد أو بدء حرث وزراعة، كما يجد الشباب وقت فراغ كبير من أجل إشباع هواياتهم من الصيد، والتنزه بين المزارع، والسباحة في البرك والآبار، والمسامرات إلى وقت متأخر بعد صلاة العشاء في الليالي المقمرة، خاصةً التي تصاحبها بعض الألعاب الشعبية مثل لعبة “عظيم ساري”، وقد يقضون وقت النهار في الذهاب إلى المزارع القريبة للسباحة في الآبار أو البرك، أو صيد الطيور، ومع تطور الزمن وظهور التلفاز بات الجميع في الإجازات يتسمرون أمام الشاشة الفضية لمتابعة البرامج إلى منتصف الليل، فيقضون الإجازة في السهر أمامه.

مدن مجاورة

ولم يكن السفر للنزهة والسياحة معروفاً، بل كان بداعي العلاج أو التبضع، ففي الإجازات مثلاً قد يعمد البعض إلى السفر إلى المدن المجاورة لبلدانهم، ويكون محظوظاً من كان لديه أقارب في تلك المدينة، حيث يتوجه إليهم فور وصوله، ويتقاسم معهم سكنى البيت كضيف مرحب به يومين أو ثلاثة، وقد تطول إلى أسبوع، وأثناء إقامتهم يقومون بزيارة المعالم المشهورة، مثل حديقة الحيوان في الرياض مثلاً، أو الشواطئ الرملية في المدن الساحلية، أو العيون والغدران أو النخيل، وغيرها من الأماكن التي تحظى بمتعة الزيارة، ويتخلل الزيارة المرور بالأسواق التجارية لشراء ما يلزم من بضائع لا توجد في البلدات والقرى، أمّا مفهوم السفر فلم يكن موجوداً أساساً إلاّ لأداء مناسك الحج والعمرة، أو الاغتراب لطلب العلم، أو العمل، فلا أحد يسافر في الإجازة من أجل السياحة، التي لم تكن مفردة مفهومة أو دارجة في ذلك الوقت، وكان من يقطن خارج القرى والبلدات للعمل أو الدراسة يفرح بالإجازة من أجل العودة إلى والديه، ليعيش بينهم، وتقر أعينهم بوجوده معهم، وكذلك يوفر مصروفه، وينعم بأكل البيت الشهي واللذيذ، بعيداً عن أكل المطاعم الذي يفتقد الطعم والجودة والنظافة.

مصدر جذب

وقبل نصف قرن عرف القليل من الأسر السفر إلى مصائف المملكة كالطائف التي سميت في ذلك الوقت بـ”عروس المصائف”، أو الى جنوب المملكة، خاصةً إلى أبها البهية أو “عروس الجنوب”، كما عُرفت السياحة الخارجية في بداياتها منذ مطلع التسعينات الهجرية كذلك، وكان روادها من الرجال والشباب خصوصاً، فقد عرف كثير من الناس الطريق إلى السياحة الخارجية، خاصةً إلى الدول العربية وعلى رأسها مصر، إضافةً إلى العراق وبلاد الشام، وفي العقود القليلة الماضية بات الناس يتفاخرون بالسفر والسياحة في كل عام مرة أو مرتين إلى الدول السياحية المرموقة، كعواصم الدول الأوروبية والدول الإسكندنافية ودول شرق آسيا وغيرها، بل صار حتى ميسورو الحال وأصحاب الدخول المحدودة مجبرين من قبل أسرهم إلى الرضوخ للسفر، مجاراة لجيرانهم وأقربائهم، لكن في العقد الأخير تراجعت نسب السفر إلى خارج المملكة في الإجازة الصيفية والإجازات الرسمية بفضل الاهتمام ببناء بنية تحتية للسياحة الداخلية التي أضحت وفي مدة وجيزة مصدر جذب كبير للكثير لقضاء وقت ممتع في زيارة المدن والمحافظات السياحية، التي تنفذ فيها العديد من الفعاليات الممتعة، كما أسهمت الهيئة العامة للترفيه، التي أنشئت في 30 رجب 1437هــ الموافق 7 مايو 2016م، وتُعنى هذه الهيئة بكل ما يتعلق بنشاط الترفيه في دعم السياحة الداخلية من خلال نشاطاتها وبرامجها الشيقة التي تقيمها طوال العام.

تبادل الزيارات

وفي الماضي القريب كان الجميع لا يعرف معنى للسياحة، بل يقضي الإجازة في تبادل الزيارات مع الجيران والأقارب وإحياء ليالي السمر بتجاذب أطراف الحديث للكبار، بينما ينشغل الصغار باللعب مع أقرانهم بألعابهم البدائية قبل ظهور الألعاب الإلكترونية، أمّا الشباب فقد كانوا يقضون وقت الإجازة بالتواجد أغلب اليوم في الشوارع، والاجتماع للعب بالألعاب الشعبية المعروفة في ذلك الوقت، ومع الطفرة التي شملت جميع نواحي الحياة، والنقلة في حياة المجتمع كله، ومع نشأة الأحياء الحديثة في جميع المدن والقرى بعد حصول الجميع على قروض من بنك التنمية العقاري لبناء مساكن حديثة، وتحسن الحالة المادية، وزيادة الرفاهية، عرفت كثير من الأسر الطريق إلى السياحة الخارجية، وتزايدت يوماً بعد يوم، ولم يكن الناس يعرفون السفر للسياحة خارج المملكة إلاّ قلة قليلة من الميسورين، ومع تقدم الزمن والانفتاح على العالم شهدت الإجازات سفر العائلات إلى الدول الخارجية، بدءًا من دول الخليج، والدول العربية، ودول شرق آسيا، ثم إلى دول حوض البحر المتوسط، وأخيراً إلى أوروبا، وشتى بقاع العالم، وبات البعض يتفاخر بالسفر والسياحة في كل عام إلى الدول السياحية المرموقة.

بنية تحتية

وفي العقود الماضية القريبة زاد اهتمام المسؤولين ببناء بنية تحتية للسياحة الداخلية، فتم تأسيس الهيئة العليا للسياحة، حيث صدر قرار مجلس الوزراء في 12 /1 /1421هـ الذي قضى بإنشاء الهيئة العليا للسياحة، تأكيداً على اعتماد السياحة قطاعاً إنتاجياً رئيساً في الدولة، خاصةً فيما يتعلق بجذب المواطن السعودي للسياحة الداخلية، وزيادة فرص الاستثمار، وتنمية الإمكانات البشرية الوطنية وتطويرها، وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطن السعودي، فأقيمت المهرجانات الصيفية في الإجازات التي باتت تجذب كثيرين لقضاء وقت ممتع بالاختيار من الفعاليات المتعددة التي تقيمها الهيئة، وتم الاهتمام بالآثار التي تزخر بها البلاد والأماكن التراثية، ولأهمية تنمية السياحة الداخلية فقد تم في 16 /3 /1429هـ صدور قرار مجلس الوزراء رقم (78) بتغيير مسمى الهيئة العليا للسياحة ليصبح اسمها “الهيئة العامة للسياحة والآثار” تأكيداً على أن قطاع السياحة في المملكة أصبح واقعاً وطنياً تقف خلفه الدولة، ويستلزم قيام الجهات المسؤولة بالتخطيط لتطويره وتنميته، انطلاقاً من عديد من المقومات السياحية المتميزة التي تتمتع بها المملكة، وفي يوم الاثنين 12 رمضان 1436هـ الموافق 29 يونيو 2015م، قرر مجلس الوزراء الموافقة على تعديل اسم الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى “الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني”، وبذلك أضحت السياحة الداخلية مصدر جذب كبير لكثيرين لقضاء وقت ممتع في زيارة المدن والمحافظات السياحية، التي تنفذ فيها العديد من الفعاليات الممتعة، وفي الأول من رجب 1441هـ صدر أمر ملكي بتحويل الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى “وزارة السياحة”، كما أسهمت الهيئة العامة للترفيه والتي أنشئت في 30 رجب 1437هــ الموافق 7 مايو 2016م، وتُعنى هذه بكل ما يتعلق بنشاط الترفيه في دعم السياحة الداخلية من خلال نشاطاتها وبرامجها الشيقة التي تقيمها طوال العام.

مردود اقتصادي

وأصبحت المهرجانات علامة بارزة في السياحة داخل المملكة، حيث تقام هذه المهرجانات سنوياً، مثل مهرجان سوق عكاظ، ومهرجان الورد في الطائف، ومهرجان تراث الصحراء في حائل، ومهرجان العسل في الباحة، والمهرجان الشتوي في جازان، وكذلك مهرجان الحريد في جزر فرسان، ومهرجان التمور في بريدة، إضافةً إلى مهرجان سوق هجر التراثي في الأحساء، ومهرجان الزيتون بالجوف، وغيرها من المهرجانات التي تركز على المنتجات المحلية والمعالم التراثية في المناطق، حيث إن كل منطقة تحرص على إبراز الجانب الأكثر جذباً في بيئتها الخاصة بها، كما تتعدد الفعاليات بمختلف مجالاتها السياحية والثقافية ونحوها، وهذه الفعاليّات تكون مصاحبة للمهرجانات، كما تسهم في إبراز عدد من المناطق والمدن لتكون وجهة سياحية، وهناك فئات متعددة لهذه الفعاليّات، حيث توجد الفئة الدولية ، وهي التي لها اعتراف دولي، وتشترك فيها عدة دول، وتستهدف غالباً السيّاح من خارج المنطقة أو من خارج المملكة، وتكون ذات مردود اقتصادي كبير وتغطية إعلامية كبيرة، بينما تكون الفئة الوطنية عن طريق اشتراك أكثر من منطقة من مناطق المملكة، وهذه الفعاليات موجهة إلى السيّاح من خارج المنطقة وبعض الدول المجاورة، أمّا الفئة المحلية فهي موجهة بشكل رئيس للسيّاح من المناطق المجاورة وأحياناً الدول القريبة، وهناك الفئة الدورية التي تنفذ بشكل دوري ومتكرر في عدد من المناطق والمحافظات.

مهرجان عالمي

ويُعد موسم الرياض مهرجاناً ترفيهياً عالمياً يقام في مدينة الرياض عاصمة المملكة، ويهدف إلى تحويلها إلى وجهة ترفيهية سياحية عالمية، وفقاً لأهداف برنامج جودة الحياة أحد برامج رؤية المملكة 2030، وقد انطلق للمرة الأولى في عام 2019م واستقطب أكثر من 10 ملايين زائر، وانطلق موسمه الثاني في 20 أكتوبر 2021 بعد توقفه عام 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا، وانطلق الموسم الثالث في 21 أكتوبر 2022 وحمل شعار “فوق الخيال”، ودخل حفل افتتاح موسم الرياض 2022 موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكثر حفل تُطلق فيه الألعاب النارية من طائرات بدون طيار، وفي نسخته الرابعة أعلن موسم الرياض عن وصول عدد زواره منذ انطلاق فعالياته أواخر أكتوبر الماضي إلى 17 مليون زائر في جميع مناطقه التي تمتلئ بأنواع الترفيه وخيارات متعددة في مجالات الألعاب والتسوق والمهرجانات والمعارض، وبشعاره هذا العام “Big Time” حيث يستمر موسم الرياض في تحقيق جملة من المنجزات، عبر استضافة فعاليات كبرى، من أبرزها كأس موسم الرياض، إضافة إلى افتتاح فعاليات جديدة ومتلاحقة في عدد من المناطق، أبرزها منطقة “بوليفارد سيتي” التي تعد موقعاً مليئاً بخيارات الترفيه العالمية، و”بوليفارد وورلد” التي تضم عدداً من الثقافات العالمية، و”فيا رياض” المليئة بخيارات السينما والمقاهي والمطاعم والعلامات التجارية العالمية، إلى جانب مجموعة من المناطق التي تتميز كل واحدة منهن بطابع ترفيهي فريد من نوعه، ومنذ انطلاق نسخته الرابعة، نجح موسم الرياض في استقطاب الزوار من الأفراد والعائلات لفعالياته المتوافقة مع رغبات الجمهور في شتى المجالات الترفيهية التي أصبحت المملكة تحتضنها بشكل واسع خلال السنوات الأخيرة، وتقام في موسم الرياض مجموعة من المسرحيات، والأمسيات الفنية المتنوعة لعدد من الفنانين العرب في المسارح أو المطاعم.

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك !
الرجاء إدخال اسمك هنا