حقائق الأخبار- فواز صايل الرويلي
شهد قصر حطّين في الرياض يوم 30 أكتوبر 2024، حفلاً فنياً ثقافياً خيرياً، شكّل حدثاً استثنائياً في المشهد الثقافي والإنساني في المملكة، لما تضمّنه من غنى في الطرح والمحتوى والبرامج والأهداف النبيلة.
أقيم الحفل الأوركسترالي الخيري “سمفونية الأمل” برعاية صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة، وبدعوة من صاحبة السمو الأميرة أ.د. مشاعل بنت محمد بن سعود آل سعود رئيسة مجلس إدارة جمعية السلياك، وإنتاج مؤسسة هبة القواس الدولية HKI، نظمت الحفل “جمعية السلياك” في المملكة دعماً لبرامجها ومبادراتها لمساعدة مرضى السلياك، وأحيته رائدة الأوبرا العربية المؤلفة الموسيقية والسوبرانو السعودية د. هبة القواس، صاحبة التجربة الأوبرالية الثرية والفريدة التي قُدّمت على أعرق مسارح العالم، والتي عزفت موسيقاها أهم الأوركسترات العالمية. رافقتها أوركسترا سمفونية تضمنت 60 عازفاً من البولشوي والمارينسكي، ومن الأوركسترا اللبنانية الوطنية للموسيقى الشرق – عربية.
حضر الحفل شخصيات رفيعة من أصحاب السّمو والمعالي والسعادة، ونخبة من المجتمع السعودي ومن أهل الثقافة والإعلام، وتمّ نقله في بث مباشر عبر شاشة MBC الثقافية الشريك الإعلامي للحدث.
قدمت الحفل الإعلامية د. نشوة الرويني، الرئيس التنفيذي لمجموعة “بيراميديا” للإنتاج والاستشارات الإعلامية في أبوظبي.
و بأناقة حضورها المعهود قدمت الرويني الحفل والمشاركين، وجاء في كلمتها: “يسعدني ويشرفني أن أكون معكم هذا المساء، حيث نلتقي معاً بهذا الجمع الكريم في حفل سمفونية الأمل، الذي يجسد روح العطاء والتكافل في مجتمعنا، هذا الحدث الخيري البارز الذي يأتي تحت رعاية معالي وزير الثقافة صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وبتنظيم من رئيسة جمعية السلياك، المرض الذي يفتك بأهلنا وأحبائنا وأولادنا، نقف اليوم يداً بيد معهم، بجانبهم، نقف في سبيل التخفيف عليهم، فهم منا ونحن منهم، لنترك أثراً إنسانياً يدوم طويلاً لنا ولهم، وهذا ما اعتدنا عليه في المملكة العربية السعودية، بلد العطاء والخير والإنسانية. دعونا معاً نصنع الفارق في حياة من هم في أمس الحاجة إلى دعمنا.”
ثم كانت كلمة لنائب صاحب السّمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة، الأستاذ حامد بن محمد فايز، وجاء فيها: “أسعد بالوجود معكم في هذه الليلة نيابة عن راعي الحفل صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة، وذلك في أمسية من أمسيات جمعية السلياك التي نفخر في وزارة الثقافة بدعم برامجها ومبادراتها الهادفة، حيث تعزز الجمعية العمل الخيري الإنساني لمساعدة مرضى السلياك والتوعية بمخاطره على صحة مجتمعنا، ويسعدنا في منظومة الثقافة، دعم الجمعية لتحقيق أهدافها النبيلة، بالإضافة إلى نشر الثقافة والفنون الموسيقية والتشكيلية من خلال هذا الحفل الخيري.
أجدد اعتزاز وزارة الثقافة بدورها الكبير في دعم المنظومة المنظومة الثقافية، ودعم العمل الإنساني بكافة قوالبه وأنماطه، وأشكركم جميعاً على الحضور والمشاركة، وحرصكم على دعم العمل الخيري والثقافي، و مساهمتكم الفعالة في المزاد العلني المخصص ريعه لمرضى السلياك، و أؤكد لكم حرص الوزارة الدائم على تقديم الدعم والتمكين، حتى يتسنى لنا جميعاً تأدية واجبنا الوطني تجاه مملكتنا الغالية، من أجل حاضر ومستقبل أفضل”.
ثم افتتحت الحفل صاحبة السمو الأميرة أ.د. مشاعل بنت محمد بن سعود آل سعود/ رئيسة مجلس إدارة جمعية السلياك بكلمة جاء فيها:
“نجتمعُ الليلة في هذه المشهديةِ البهيّة، التي أردناها أن تكون مختلفةً و مميزة واستثنائية. استثنائية مع لقاءٍ مبارك جمَعَنا بهذه الوجوهِ النبيلةِ والخيّرة، واستثنائية في أبعادِها الثقافيةِ والإنسانيةِ والحضارية، التي باتت عنوانَ قضيتِنا الأولى في مملكتِنا الغالية، قِبلةِ العالم الحضاري.
نلتقي الليلة في محفلٍ خيريّ، ومناسبةٍ إنسانيةٍ تنظّمُها جمعيةُ السلياك، في مهمةٍ خيريةٍ وحدثٍ وطنيّ نوظّفُ فيه تلاحُمَنا الوطني، ونسخّرُ من خلاله واجبَنا الإنساني، في حفلٍ جمعَ الثقافةَ بالخيرِ ، ومزَجَ النيّةَ بالهدفِ، بعنوان “سمفونيّة الأمل”.
ودائماً في إطارِ سعيِنا للأمل، عمدتْ الجمعيةُ عبر مبادراتِها وبرامجِها إلى نشرِ الوعي حول المرض، وتكفّلتْ بالدعمِ النفسي والصحي الكامل لجميع مرضى السلياك وأُسَرِهم، في مبادراتٍ شاملة وواسعة وفي جميع أنحاءِ المملكة ومُدنِها ومناطقها، مُسخّرين جميعَ إمكاناتِنا وقُدُراتِنا وفريقِ عملنا في سبيلِ الوصولِ إلى تحقيقِ الهدفِ الأبرز، وهو: تخفيفُ معاناة المرضى، الوقوفُ إلى جانبهم بكلِّ ما أُوتِينا من عزمٍ وإرادةٍ وإصرار، تقديمُ الدعمِ والمساعدات، والوصول إلى مجتمعٍ سليمٍ معافى من الأمراضِ والآلام، كما يليقُ بمملكتِنا الحبيبة.
هذه الرسالةُ الأبهى، تكتبها الليلة بِنَغمٍ من نور وبِصوتِها الأَيقونيّ، رائدةُ الأوبرا العربية والمؤلفة الموسيقية، ورئيسةُ المعهد الوطني العالي للموسيقى في لبنان الدكتورة هبة القواس، التي كانت المبادِرةَ الأبرز في دعم الجمعية، عبر إحياءِ الحفل بِموسيقاها وأغنياتِها وحضورِها المتألق، والأوركسترا السيمفونية العالمية المرافقة لها، وعبر إنتاجِ هذا الحفل وتقديمِه إلى جمعيةِ السلياك، إيماناً منها برسالتِنا النبيلة. وهل ثمةَ أعظمُ من أنْ يَحملَ الصوتُ الأوبرالي الفاتن قضيةً إنسانيةً راقيةً وهادفة على أجنحةٍ من حلمٍ وأمل؟
هذه الرسالةُ تُكتبُ الليلةَ أيضاً بلونِ الحبِّ والأملِ، رسماً وتشكيلاً في لوحاتِ الفنانين المبدعين التي زيّنتْ حفلنا والقصر. لِتكتملَ مشهديةُ الفرحِ عبر هذه التوليفةِ المُبتكَرة بين الموسيقى والفنِ التشكيلي والعطاءِ الإنساني، فنُحلّقُ سوياً في فضاءاتٍ من السحرِ والعبقِ والبهاء، ونبتكرُ معاً لوحةً نابضةً بشغفِ العطاءِ، ونعبرُ معاً إلى ضفةِ الأملِ، ونكتبُ سوياً سطراً مضيئاً في سماءِ الإنسانية.
أمسيتُنا الليلة هي رسالةُ حبٍّ لكلِّ نفسٍ تائقةٍ للسلام، وسمفونيّةٌ حقيقية للأملِ المنشود، عسى أن تكونَ نموذجاً يُحتذى لأصحابِ القلوبِ النقيةِ والأيادي البيضاء الخيّرة.
سمفونيةُ الأمل خطوةٌ في طريقِ الألف ميل، والأمل يبدأُ دائماً بأصغرِ الخطواتِ ليصلَ إلى أعمق ما في القلبِ والروح. وهذه الخطوة لم تكن لتَتِمّ لولا جهودُ كلِّ من عمِلَ وساهمَ وشاركَ في إنجاح هذه الأمسية، من رعاة وداعمين وفنانين وفريق عمل، وأسأل الله أن يُثيب الجميع خيرَ ثواب.
وفي مسك الختام، أرفعُ آياتِ الشكرِ والتقدير لِمولاي خادم الحرمين الشريفين ووليِّ عهدِه وعرابِ الرؤيا ومُلهمِ الأجيال صاحب السمو الملكي الأمير المُلهم محمد بن سلمان. والشكر موصول لأخواني الأعزاء صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن سلمان، والأمير بندر بن سعود بن خالد على الدعم والمساندة. والشكر بعد الله للداعم الأكبر ورفيق الطريق زوجي الحبيب صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز.على أن نلتقي دائماً بصحة وعافية وسلام”.
وفي إطلالة فاتنة وصوت أيقوني، افتتحت القواس الحفل الموسيقي، قيادةً وغناءً أوبرالياً عربياً وعالمياً، في توليفة مبهرة التنوّع بين الموسيقى الكلاسيكية العالمية وبين موسيقى القواس الخاصة من تأليفها عزفاً من الأوركسترا وغناء. فاعتلت القواس المسرح في دخول مهيب بفستانها الأخضر على وقع الموسيقى الأكابيلا، مؤدّيةً “أداجيو” ب. ألبينوني، التي أعادت توزيعها وأبدعت بغنائها.
ومع رائعة تشايكوفسكي الخالدة “بحيرة البجع” (أنترميزو) مشهد1، تراقصت الأنغام كماء البحيرة الفاصلة بين الحضور والمسرح والتي صُممت خصيصاً للمناسبة، وامتزج عبق الماء في البحيرتين اللتين تلألأت في انعكاسهما أنامل موسيقى “أوركسترا روسيا فيرتيوزي”. ثم انتقل الحضور إلى عالم أثيري آخر من الدهشة وعالم الموسيقى الخالدة، التي أدتها الأوركسترا في عزفها مع “كسارة البندق” 2 مارش لتشايكوفسكي.
وفي “رقصة روسية” من باليه بحيرة البجع، تمكنت الأوركسترا من العبور بالسامعين إلى ضفة أخرى من انسيابية النغم، لا سيما مع العزف المنفرد على الكمان للعازفة أوليانا كيسليتسينا، التي تحول الكمان بين أناملها الرشيقة إلى آلة أثيرية محلّقة.
ليطل مجدداً صوت القواس السماوي مع قصيدة “وتحبني” للشاعرة هدى النعماني، تأليف القواس، متنقلةً بطبقاتها وتموجات صوتها وأدائها العالي، في وصال بهيّ بين عمق الكلمة واللحن والصوت. وعبوراً إلى النقاء الذي يجسده الحلاج في قصيدته الخالدة “يا نسيم الريح” بموسيقى القواس، تمكنت السوبرانو من الالتحام الموسيقي الروحي في أداء ظلّل ليل قصر حطّين. وبين أغنية “يدُك” (عود وأوركسترا) عود عبدالله نمور، موسيقى القواس، وأغنية “حبيبي” موسيقى القواس وشعر عبد العزيز خوجة، تربعت القواس على قمة الأداء الساحر الذي انتقل عطره إلى الحضور النخبوي فعاش تلك اللحظات بالتماهي والانبهار.
وبعد عودة للكمان المنفرد مع قوس أوليانا الذي سافر إلى “الفصول الأربعة” لفيفالدي برشاقة وبهاء ومهارة، تجلّت موسيقى الموشّح الأندلسي “لمّا بدا يتثنّى” في حلّة موسيقية مترفة في توزيع أوركسترالي للقواس، وغنائها الذي أخذ الحضور إلى رحلة أندلسية ساحرة، ليطير بهم مجدداً إلى فضاء مختلف من السكون مع “ميموري” (من كاتس) لأندرو لويد ويبر بصوت القواس.
أما “بليزوس” رقم 1، الحركة الثانية، المعزوفة الملهمة من تأليف القواس وقيادتها، فسكبت على العطر عطراً مضافاً، وعلى “سمفونيّة الأمل” إشراقات القواس في موسيقاها العظيمة التي تحمل خصوصية هويتها وبصمتها الفريدة. وإلى النجوم، حيث حلّقت القواس طيلة الحفل، مستعيدةً أغنيتها التحفة “نجوم الدني بعينيك” التي ألفت موسيقاها وكتبت كلماتها ندى الحاج، لتترك بعدها المسرح للأوركسترا وهي تتنزّه بآلاتها وعازفيها المهرة في حدائق شستاكوفيتش ورائعته “والتس رقم 2”. وقبل أغنيتها الختامية، توجهت القواس إلى الحضور بكلمة من القلب أهدت فيها الأمسية إلى “وطنها” المملكة العربية السعودية، “التي نجتمع فيها على الموسيقى في خدمة الإنسان وعلى الحب والخير والأمل. وفي هذه الليلة التي ننشر فيها الوعي عن مرض خفي هو السلياك، الوعي الذي يمكن أن ينقذ حياة الناس وذلك بفضل جمعية السلياك. في هذه الليلة التي تحمل الوعي والحب والفرح، وطني الأم مجروح، وطني بالولادة يعاني ولكن وطني المملكة العربية السعودية ينضح بالأمل. وأضافت القواس: “لقد حصلت على العديد من الأوسمة والجوائز العالمية، ولكنني أعتبر أن أهم وسام حققته هو أنني مُنحت الجنسية السعودية، وهذا هو الإنجاز الأكبر الذي اعتز به. واغتنم هذه الفرصة لأشكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود، لأنني شعرت أنني استرديت أصولي من مكة والحجاز بعد رحلة أكثر من ألف سنة لأعود إلى أرضي ووطني وأصولي. لبنان بحاجة إلى سمفونية الأمل وإلى عودته إلى حضنه العربي، المتمثّل بالحاضن والداعم الأكبر المملكة العربية السعودية في كل أزماته ومحنه”.
وبعد كلمتها الوجدانية عن المملكة ولبنان، غنت القواس رائعتها “لبنان عُد أملاً” التي ألفت موسيقاها وكتبها شعراً عبد العزيز خوجة، لتختم الحفل الكبير بالسلام الملكي تأدية بصوتها وعزفاً من الأوركسترا.
واختُتم الحفل بمزاد تشكيلي خُصص ريعه لجمعية السلياك، تحت إدارة الكاتبة وسيدة الأعمال د. وفاء الرشيد، وبمشاركة مجموعة متميزة من الفنانين السعوديين أصحاب الشهرة العالمية، الذين أسهموا في نشر الإبداع على المستوى المحلي والدولي، ومنهم: مها الملوح، حنان باحمدان، فهد النعيمة، نجلاء السليم، لولوة الحمود، وغيرهم من الفنانين. وذلك في سعي من “جمعية السلياك”، إلى دمج الفنون التشكيلية والموسيقية، لتقديم تجربة ثقافية وفنية غنية تساهم في نشر الفرح والأمل، وتبرز أهمية الربط بين الفنون والأعمال الخيرية كرافعة حضارية للشعوب والمجتمعات، بالإضافة إلى تعزيز روح العطاء والتكافل والتضامن في المجتمع، المتمثل في الهدف الخيريّ للحفل، وهو دعم الجمعية لمرضى السلياك.
احتل حفل “سمفونية الأمل” المشهد الإعلامي والثقافي في المملكة العربية السعودية، وتصدّر الهاشتاغ الخاص بالحفل الترند عربياً في انتشار واسع بين السعودية والإمارات ومصر، ما يُظهر التفاعل الكبير من الإعلام والمتابعين مع قضية السلياك، وبقيت الحفلة متصدرة مواقع التواصل الاجتماعي حتى في اليوم التالي، في تبادل وتشارك للسلام الملكي الذي أدته القواس وانتشر على المنصات والإعلام وبين الناس.