الرئيسية إقتصاد عبدالرحمن العامري يكتب :(كيف تتغلب على إغراء العروض ..والتخفيضات وتتحكم في إنفاقك...

عبدالرحمن العامري يكتب :(كيف تتغلب على إغراء العروض ..والتخفيضات وتتحكم في إنفاقك بذكاء)…!!؟!!

890
1

 

بقلم الكاتب عبدالرحمن العامري

مع اقتراب موسم رمضان، تزداد الحملات الترويجية والتخفيضات التي تستهدف المستهلكين، مما يجعل الكثيرين يندفعون للشراء دون تخطيط مسبق. هذه العروض، رغم أنها قد تبدو فرصًا لا تُعوّض، تستند إلى استراتيجيات نفسية وسلوكية تستهدف قرارات المستهلك، مما يؤدي إلى إنفاق غير محسوب يؤثر على الميزانية الشخصية. لذا، من الضروري فهم كيف تؤثر هذه العوامل على قراراتنا الشرائية، والتعامل بذكاء مع الحملات التسويقية لتجنب الوقوع في فخ الاستهلاك غير الضروري.

المنظور الديني في ترشيد الإنفاق خلال رمضان

يعتبر الإسلام التوازن في الإنفاق مبدأ أساسيًا يحث عليه، حيث يدعو إلى الاعتدال وتجنب الإسراف والتبذير. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

“وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ” (الأعراف: 31)

هذه الآية تؤكد على أهمية الاعتدال وعدم المبالغة في الاستهلاك، حتى في الأمور المباحة مثل الطعام والشراب.

كما يحذر الله تعالى من التبذير في قوله:

“إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُوا۟ إِخْوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِ” (الإسراء: 27)

وهذا يدل على أن التبذير ليس فقط سلوكًا غير محمود اقتصاديًا، ولكنه أيضًا نهج مرفوض دينيًا.

1. فهم المقاصد الشرعية للإنفاق في رمضان

رمضان هو شهر البركة والرحمة، وهو فرصة لتعزيز القيم الدينية مثل الصدقة، الإحسان، والتضامن مع المحتاجين، وليس فقط موسمًا للاستهلاك المفرط. يقول النبي ﷺ:

“ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنَفَسه” (رواه الترمذي).

هذا الحديث يعكس فلسفة الإسلام في الاعتدال، والتي يمكن تطبيقها ليس فقط في الطعام، بل في جميع نواحي الإنفاق.

2. الصدقة أولى من الإسراف في الشراء

بدلًا من إنفاق المال على كميات كبيرة من الطعام أو المنتجات غير الضرورية، يمكن توجيه جزء من الميزانية إلى أعمال الخير، مثل كفالة الأيتام، تفطير الصائمين، أو مساعدة المحتاجين. يقول النبي ﷺ:

“أفضل الصدقة صدقة في رمضان” (رواه الترمذي).

وهذا يضع أولوية واضحة لكيفية توجيه المال في هذا الشهر الفضيل.

3. استشعار النية في الإنفاق

في الإسلام، الإنفاق يجب أن يكون بوعي ونية صالحة. لذا، من المفيد أن يسأل الإنسان نفسه عند التسوق:
• هل هذا الشراء يساعدني في تحسين عبادتي وراحتي في رمضان، أم أنه مجرد استهلاك زائد؟
• هل يمكنني إنفاق هذا المال في وجه خير أفضل؟

العوامل النفسية والسلوكية في قرارات الشراء

1. نظرية الندرة (Scarcity Effect)

يروج المسوّقون للعروض على أنها “محدودة لفترة قصيرة” مما يثير شعور الخوف من تفويت الفرصة (FOMO – Fear of Missing Out). هذا الشعور يدفع الكثيرين للشراء حتى لو لم يكونوا بحاجة فعلية للمنتج. لمواجهة هذا التأثير، من المهم التريث قبل اتخاذ قرار الشراء والتأكد من الحاجة الحقيقية للمنتج.

2. تأثير السلوك الجمعي (Herd Mentality)

في علم الاجتماع، يُعرف “السلوك الجمعي” بأنه ميل الأفراد لتقليد تصرفات الآخرين دون تفكير نقدي، خاصة عندما يكون هناك إقبال جماعي على منتج معين. خلال رمضان، يزداد هذا التأثير عندما يرى المستهلكون أصدقاءهم وعائلاتهم يشترون بكثرة، مما يدفعهم للانجراف معهم.

3. تأثير الإطار المرجعي (Framing Effect)

يستخدم المسوّقون استراتيجيات لغوية تجعل المستهلك يشعر أنه يحقق مكسبًا، مثل “احصل على المنتج الثاني مجانًا” أو “توفير حتى 50%”. وفقًا لنظرية الاقتصاد السلوكي، فإن طريقة عرض المعلومات تؤثر على قراراتنا أكثر من الحقيقة الفعلية للسعر. لذا، من المفيد مقارنة الأسعار الفعلية بدلًا من التركيز على نسبة الخصم فقط.

4. الإنفاق التعويضي (Compensatory Spending)

يحدث الإنفاق التعويضي عندما يشعر الشخص بالضغط النفسي أو الإرهاق فيلجأ إلى التسوق كوسيلة للشعور بالراحة. لمواجهة هذا الفخ، يمكن استبدال التسوق بأنشطة أخرى تمنح شعورًا بالراحة، مثل الذكر والتأمل أو ممارسة الرياضة أو قضاء وقت مع العائلة.

كيف تتجنب هذه التأثيرات النفسية أثناء التسوق؟

1. ضع ميزانية واضحة والتزم بها
حدد سقفًا لإنفاقك خلال موسم رمضان، وضع قائمة بالمشتريات الضرورية قبل التسوق.
2. جرّب قاعدة الـ 24 ساعة قبل الشراء
عند رغبتك في شراء منتج غير ضروري، انتظر 24 ساعة. غالبًا ستجد أن الحماس للشراء قد انخفض.
3. قيّم العائد من السلعة وتجنب التكرار
اسأل نفسك: هل أحتاج هذا المنتج فعلًا؟ هل لدي شيء مشابه يؤدي نفس الغرض؟
4. انتبه لاستراتيجيات التسويق المخادعة
لا تدع كلمات مثل “عرض محدود” أو “آخر فرصة” تدفعك للشراء. تأكد من أن الخصم حقيقي وأن المنتج يستحق.
5. تجنب التسوق أثناء الشعور بالتوتر أو الإرهاق
التسوق العاطفي قد يؤدي إلى إنفاق غير محسوب. حاول أن تشتري في أوقات تكون فيها في حالة ذهنية مستقرة.
6. فكر في التكاليف اللاحقة
عند اتخاذ قرار الشراء، ضع في اعتبارك المصاريف الأخرى مثل التخزين والصيانة وعدد مرات الاستخدام.
7. حدد أهدافًا مالية تحفزك على الادخار
بدلاً من إنفاق المال على سلع استهلاكية، فكر في استثماره أو تخصيص جزء منه للأعمال الخيرية خلال رمضان.

الخلاصة

العروض والتخفيضات خلال رمضان ليست دائمًا كما تبدو، فهي تستند إلى استراتيجيات تسويقية مدروسة تهدف إلى التأثير على قرارات المستهلك. من خلال فهم العوامل النفسية والسلوكية التي تؤثر على الإنفاق، وربط ذلك بالمبادئ الإسلامية التي تدعو إلى التوازن وعدم الإسراف، يمكنك اتخاذ قرارات مالية أكثر وعيًا. رمضان هو شهر الترشيد، الصدقة، والتفكر، وليس فقط موسمًا للشراء والاستهلاك.

1 تعليق

  1. أبدعت يا أبا راما..
    سدد الله لسانك وقلمك ونفع بك أمتك ووطنك .

التعليقات مغلقة.