بقلم الكاتب الدكتور محمد الحلفي
في ظل التصعيد المستمر والتوتر المتزايد في قطاع غزة، تتباين الرؤى الدولية حول مستقبل القطاع بين خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تركز على تهجير السكان، والتصور المصري الذي يدعو إلى إعادة الإعمار مع الحفاظ على الحقوق الشرعية للفلسطينيين.
أعلنت وزارة الخارجية المصرية عن نيتها تقديم تصور متكامل لإعادة إعمار غزة، يهدف إلى الحفاظ على وجود الشعب الفلسطيني في أرضه وضمان حقوقه الشرعية. وأكدت القاهرة سعيها للتعاون مع الإدارة الأميركية لإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، مع التشديد على أهمية الحفاظ على مكتسبات السلام في المنطقة. في هذا الإطار، شددت مصادر مصرية على رفض القاهرة القاطع لأي مخططات تهدف إلى تهجير سكان غزة أو توطينهم خارج أراضيهم، مؤكدة تمسكها بموقفها الثابت تجاه القضية الفلسطينية. كما قرر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تأجيل زيارته لواشنطن إلى إشعار آخر، في خطوة تُفسّر على أنها تعكس توترًا في العلاقات مع الإدارة الأميركية.
بالتزامن مع هذه التطورات السياسية، وجه وزير الدفاع المصري الفريق أول عبد المجيد صقر الجيش الثالث الميداني بالحفاظ على أعلى درجات الجاهزية القتالية، في خطوة تُظهر حرص القاهرة على تأمين حدودها مع قطاع غزة في ظل التصعيدات الأخيرة. ويعكس هذا التوجه قلقًا مصريًا متزايدًا من التداعيات الأمنية لأي تصعيد عسكري في القطاع، وتأثيره على استقرار سيناء والمنطقة الحدودية.
على الصعيد الدبلوماسي، نفى الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خلال لقائه بملك الأردن عبد الله الثاني، فكرة “شراء غزة”، مؤكدًا أن القطاع سيكون تحت إدارة أميركية تهدف إلى ضمان الأمن والاستقرار. كما أشار إلى إمكانية التوصل إلى اتفاق مع مصر بشأن وضع سكان القطاع، وهي تصريحات أثارت ردود فعل متباينة، إذ تُفسر على أنها محاولة لإعادة تشكيل واقع القطاع وفق رؤية أميركية-إسرائيلية، بعيدًا عن الإرادة الفلسطينية والعربية.
من جانبه، شدد العاهل الأردني على رفض الأردن القاطع لأي مخطط لتهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، محذرًا من تداعيات أي تصعيد إضافي في المنطقة. كما أكد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن بلاده قدمت رؤية عربية شاملة لمعالجة الأوضاع الإنسانية في غزة، مع رفض أي حلول تتضمن التهجير القسري للسكان. ويبرز في هذا الإطار التنسيق المتزايد بين الأردن والدول العربية الفاعلة لضمان عدم فرض حلول غير عادلة على الفلسطينيين.
إلى ذلك، أعرب مجلس الوزراء السعودي عن رفضه القاطع لأي مقترحات تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن القضية الفلسطينية تظل في صلب اهتمامات المملكة، وأن السلام الدائم لن يتحقق إلا من خلال تطبيق مبدأ حل الدولتين. وهذا الموقف السعودي يأتي في سياق تأكيد الرياض على دورها كداعم رئيسي للحقوق الفلسطينية، ورفضها لأي ترتيبات لا تضمن حقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.
في غزة، رفضت حركة حماس طلب الإدارة الأميركية بالإفراج عن جميع المحتجزين بحلول السبت المقبل، مؤكدة أن لغة التهديد تزيد من تعقيد الأوضاع. وأوضح القيادي في الحركة سامي أبو زهري أن تنفيذ شروط الاتفاق هو السبيل الوحيد لتحقيق أي تقدم إيجابي. في المقابل، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإنهاء اتفاق وقف إطلاق النار إذا لم تفرج حماس عن المحتجزين بحلول الموعد المحدد، كما أصدر أوامر بتعزيز القوات داخل غزة وحولها استعدادًا لأي تطورات عسكرية محتملة. وتكشف هذه التصريحات عن استمرار التصعيد الإسرائيلي الذي يسعى لفرض معادلات جديدة بالقوة، مما يزيد من احتمالات اندلاع مواجهة جديدة.
أما على الصعيد الأميركي، فقد صرح وزير الخارجية ماركو روبيو بأن السلام الدائم في الشرق الأوسط سيظل بعيد المنال ما دامت التوترات مستمرة في غزة، مشيرًا إلى أن بعض الأطراف قد تستغل وقف إطلاق النار لتعزيز قدراتها. ويعكس هذا التصريح استمرار الانحياز الأميركي لإسرائيل، حيث يُلقى باللوم على الفلسطينيين، دون التطرق إلى السياسات الإسرائيلية التي تعرقل أي حلول سلمية
وسط هذه المواقف المتباينة، يبقى مستقبل غزة رهينًا بالتطورات السياسية والميدانية، إذ تتباين الرؤى بين مساعٍ عربية لإعادة الإعمار وحماية الحقوق الفلسطينية، ومقاربات أميركية وإسرائيلية قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد. ويبقى التساؤل المطروح: هل ستتمكن الأطراف العربية من فرض رؤيتها الداعمة للحقوق الفلسطينية، أم أن المصالح الدولية والإقليمية ستعيد رسم المشهد بما يخدم المصالح القوى الكبرى؟