*أنا من يجدر بي أن أشكرك*

53
0

*بقلم الكاتب / أ.صالح الريمي*

من أجل الحقوق التي فرض الله تعالى على الأبناء الرعاية والاهتمام بالوالدين، قال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}..
وهذا أمرٌ واضح وبيانٌ إلهيٌّ بالإحسان إلى الوالدين، والعمل على تقديم ما يمكن لهما من وجوه الخير والإحسان وصنائع المعروف.

أنقل لكم قصة جميلة أثرت فيني كثيرًا، كتبها الكاتب المعروف عبدالله المغلوث، يقول فيها: بعد أن استويت على مقعدي في الطائرة وفي انتظار الإقلاع من جدة إلى الدمام، هز كتفي أحد المسافرين، وقال لي بصوت خفيض: “أبيك في كلمة راس”، أي أريد أن أتحدث معك على انفراد..
توقعت لأول مرة أنه يريد نقودًا، كون “كلمة راس” ارتبطت في مخيلتي بالسلف والدّين، فقلت لنفسي: يا الله!! المتسولون وصلوا إلى الطائرات، ألم تكفهم الأموال الطائلة التي يمتصونها منّا بمحاذاة الإشارات.

قاطعني وأنا أمخر عباب خيالي قائلًا: عذرًا أزعجتك ولكن لا أريد أن تسمع أمي ما أريد أن أقوله لك الآن، لذلك أخذتك جانبًا، قلت له: من أمك؟ وما علاقتي بها؟ أجابني: هي من تجلس بجوارك، ولا تجيد اللغة الإنجليزية، والمضيفات لا يجدن العربية، فهي تحتاج إلى مساعدتك في الترجمة لها إذا تقاطعت معهن..
لا أود أن تعرف أمي أنني طلبت منك هذا الشيء، فتشعر بأنها ناقصة وأنا أريدها تشعر بأنها الأفضل، أفضل منّا جميعًا، قلت له: أبشر لم تطلب شيئًا، أنت وأمك فوق رأسي، لكن لمَ لم تجلس بجوارها، ألم تجد مقعدا معها في نفس الدرجة؟

رد علي: لا، إمكاناتي محدودة ولا أستطيع أن أدفع تذكرتي درجة أعمال، بوسعي بمشقة أن أشتري واحدة وهي لأمي، ولا يمكن أن أسمح لأمي أن تركب درجة سياحية، عرضت عليه مقعدي ليجلس فيه، فرد وابتسامة كبيرة تفوح من وجهه: أنا أكثر سعادة عندما تكون أمي في درجة (البزنس) وأنا في السياحية، وأشعر أنها أعلى وأرقى مني..
ودعني وتوقعت أن ألتقيه مع نهاية الرحلة بيد أنه فاجأني بزيارة مباغتة كل عشر دقائق يقبل رأس أمه ويقول لها: توصين على شيء، تأمريني على شيء؟ وأحيانًا ينادي المضيفة ويسألها أن تجلب شايًا أو ماء إلى أمه.

لم يغب طويلًا عن أمه وعني، كان حاضرًا بجوارنا طوال الرحلة بعد أن وضعت الطائرة أقدامها في مطار الملك فهد الدولي بالدمام عانقني بحرارة كأنه يعرفني منذ 20 سنة وشكرني بشدة وقبل أن يودعني قلت له: يا إبراهيم أنا من يستحق أن أشكرك، لقد تعلمت منك درسًا جديدًا في البر بالوالدين، دمت عاليًا..
وإبراهيم مثال لشباب كثيرين حولنا يبدعون في البر بوالديهم يتفننون في التعبير عن حبهم لهم، جعلنا الله وإياكم منهم.

ترويقة:
الأم والأب حين يقدمان لأبنائهما الخير والمعروف فإنّهما لا ينتظران أي مقابل؛ لأنهما يفعلان هذا بدافع الحُب الفطري الكبير الذي أودعه الله تعالى في قلبيهما، لكن من واجب الأبناء رد المعروف وعدم مقابلته بالجحود والنكران، وإنما بالمعروف والمحبة والطاعة التي تكون مبنية على الحُب والوفاء.

ومضة:
قال رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُهُ قيلَ: مَنْ يا رَسولَ اللهِ؟، قالَ: مَن أدْرَكَ والِدَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ).

اترك رد

الرجاء إدخال تعليقك !
الرجاء إدخال اسمك هنا