من سلسلة
(كُن مُتََفائِلاً وَابعَث البِشر فِيمَن حَولَك)
انتشرت في المجالس ظاهرة التذمر والتسخط من الحياة وظروفها، وإصدار الشكاوي المتكررة من قلة المال وثقل الهموم وكثرة المشكلات وزيادة الأمراض، فهل هناك أجمل من التشكي المتكرر؟ نعم،، أن يكون للإنسان قلبُ راض ولو بالقليل، فالحمدلله أننا نملك أسقفٌ تسترنا، وطعامٌ يملأ مطابخنا، وثيابٌ تملأ خزائننا، وأمنٌ وأمانٌ يحتوينا، فماذا نريد بعد؟! وإلى أين نريد أن نصل من النعم؟ إننا نملك الكثير والكثير من النعم، ولكن لازل تابعض يتسخط ويتذمر من الأحوال المعيشية والظروف الحياتية.
من مقدمة مقالة اليوم أنقل لكم حديث دار بين زوجين، أحدهما ينظر للأحداث بنظرة تشاؤمية والآخر بنظرة إيجابية، يقول راوي القصة:
جلست الزوجة على مكتب زوجها وأمسكت بقلمه، وكتبت: في السنة الماضية، أجريت لزوجي عملية إزالة المرارة، ولازم زوجي الفراش عدة شهور، وبلغ الستين من عمره؛ وترك وظيفته المهمة في دار النشر التي ظل يعمل فيها ثلاثين عامًا، وتوفي والده في تلك السنة، ورسب إبننا في بكالوريوس كلية الطب لتعطله عن الدراسة عدة شهور بسبب إصابته في حادث سيارة، وفي نهاية الصفحة كتبت: “يا لها من سنة سيئة للغاية!!”.
وعندما دخل عليها الزوج لكي يجلس على مكتبه، لاحظ شرود ذهن زوجته، فاقترب منها، ومن فوق كتفها قرأ ما كتبت! فترك الغرفة بهدوء دون أن يقول شيئًا يذكر، لكنه بعد عدة دقائق عاد وقد أمسك بيده ورقة أخرى، وضعها بهدوء بجوار الورقة التي سبق أن كتبتها زوجته، فتناولت الزوجة ورقة الزوج، وقرأت فيها:
في السنة الماضية شفيت من آلام المرارة التي عذّبتني سنوات طويلة، وبلغت الستين وأنا في تمام الصحة وكمال العافية، وسأتفرغ للكتابة والتأليف بعد أن تم التعاقد معي على نشر أكثر من كتاب مهم، وعاش والدي حتى بلغ الخامسة والتسعين من غير أن يفقد عقله ولا صحته، وتوفى من غير أن يتألم، ونجا إبننا من الموت في حادث السيارة، وشفي بغير أي عاهات أو مضاعفات، وختم الزوج عبارته قائلًا: “يا لها من سنة أكرمنا الله بها، وقد إنتهت بكل خير”.
لاحظوا معي بين النظرتين لنفس الأحداث، لكن كل طرف كانت له نظرة مختلفة عن الآخر، لأننا دائمًا ننظر إلى ما ينقصنا؛ لذلك لا نحمد الله على النعم التي في أيدينا، وننظر إلى ما سُلب منّا ولا نركز على باقي النعم التي في حوزتنا، لذلك نُقصر في حمده وشكره على ما أعطانا من النعم..
لاتظن أن حياة الآخرين أفضل من حياتك! فقد يمرون بظروف أصعب وحياة أسوأ، فالهموم من سنن الحياة، ولكنهم حفظوا السنتهم من الشكوى والتذمر والتسخط، أللهم إجعلنا من الشاكرين الذاكرين، وعند البلاء من الصابرين، وعلى قدر ضاءك بحياتك تكن سعادتك، ومن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
*ترويقة:*
فمن أسباب السعادة أن ترضى بما كتب الله لك وقدر، وأن ترضى بصورتك ورزقك وذريتك وحياتك كلها، حينها سوف تسعد روحك، ويطمئن قلبك، ويرتاح بالك بما قدر الله فيما مضى والتفاؤل بما سيأتي، والاستمتاع بما لديك الآن، وعدم التعلق بما في يد غيرك، وكن راضيُا ومتفائلًا ومستمتعًا بكل لحظات حياتك..
وهذا ما يؤكده قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما قضى الله لمؤمن من قضاء إلا كان خيرا له)، وقال أيضا: (إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط).
*ومضة:*
أعلى درجات السعادة أن يستشعر الإنسان بالرضا في سائر أمورة حتى ينال الأجر في الآخرة، فأشكروا الله لتدوم النعم، قال تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ)، وأخيرًا أقول؛ أول طريق إلى السعادة يبدأ بالرضا!